يُنظر إلى النوم غالبا كمسؤولية شخصية مرتبطة بالصحة الفضلى، والإنتاجية الأعلى، والسلوك الأخلاقي في العمل. وقد وصفه بعض الباحثين بأنه "مورد استراتيجي" لأصحاب العمل؛ فالحصول على قسط كافٍ منه يساعد الموظفين على اتخاذ قرارات أكثر ذكاء، والحفاظ على التركيز، والتصرف بأخلاقية؛ ما يجعله عاملًا خفيا في نجاح الأعمال.
لكن النوم ليس مجرد عادة فردية بحسب موقع "سايكولوجي توداي"، بل هو مرتبط بشكل عميق بالأنظمة الاقتصادية والاجتماعية الأوسع. فأنماط النوم المنتظمة تسهّل على أصحاب العمل تنسيق ساعات العمل، والتنبؤ بسلوك العملاء، والحفاظ على هوامش الربح. فالنموذج التقليدي للعمل من التاسعة صباحًا حتى الخامسة مساءً يعتمد على أنماط استيقاظ ونوم مشتركة بين الجميع ليعمل بكفاءة.
ويقول عالم الأنثروبولوجيا الثقافية ماثيو وولف ماير، إن أنماط النوم والروتين اليومي يؤثر كل منهما على الآخر. فالعيش في مجتمع قائم على نظام اقتصادي مشترك يشكل كيف ومتى ننام. وفي المقابل، تؤثر عادات النوم في طريقة تنظيم وقتنا، وتلبية التزاماتنا الاجتماعية، والمشاركة في الأنشطة الجماعية.
لكن بيولوجيا، ليس الجميع مبرمجا على دورة النوم والاستيقاظ نفسها. فبعض الناس يستيقظون مبكرا بطبيعتهم، بينما يفضل آخرون السهر. وقد يكون لهذا التنوع فوائد تطورية؛ إذ وجدت دراسة على قبائل صيادين في تنزانيا أن المجموعة كان أفرادها نائمين كلهم في الوقت نفسه لمدة 18 دقيقة فقط خلال فترة 20 يوما. فقد كان هناك دائما شخص مستيقظ لحماية المجموعة من الأخطار الليلية مثل الحيوانات المفترسة.
ومع ذلك، فإن الحياة الحديثة نادرا ما تستوعب هذا التنوع. فرغم أن العمل عن بعد والاتصال العالمي، خاصة بعد جائحة كورونا، أتاحا فرصا لجداول زمنية أكثر مرونة، فإن ملايين الأشخاص ما زالوا يخضعون لساعات عمل صارمة. فالاقتصاد لا يزال يفرض متى يجب أن نستيقظ أو ننام.
وفي النهاية، يركد العلماء إنه ورغم سعينا للنوم الصحي، فإن راحتنا تتأثر بما هو أكثر من مجرد الانضباط الشخصي. فهي قضية اجتماعية واقتصادية، تذكّرنا بأن صوت المنبّه في السادسة صباحًا لا يعني فقط وقت العمل، بل الانسجام مع نظام يعتمد على اليقظة المتزامنة.
