تشير أدلة متزايدة إلى أن الاضطرابات المزاجية التي تظهر بعد سن الأربعين قد تكون علامة مبكرة على الإصابة بالخرف، وفقًا لدراسة جديدة نُشرت في دورية Alzheimer’s & Dementia التابعة لجمعية ألزهايمر الأمريكية.
ووجد الباحثون أن الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات مزاجية متأخرة الظهور لديهم مستويات أعلى بكثير من بروتيني بيتا-أميلويد وتاو، وهما من المؤشرات البيولوجية لمرض ألزهايمر وأمراض التنكس العصبي الأخرى، مقارنةً بمن لا يعانون من اضطرابات نفسية في سن متقدمة.
قاد الدراسة باحثون من المعهد الوطني لعلوم وتكنولوجيا الكم في اليابان، وسلطت الضوء على العلاقة البيولوجية بين الأعراض النفسية والتدهور العصبي.
وشملت الدراسة 99 مشاركًا بالغًا، خضعوا لتصوير مقطعي بالإصدار البوزيتروني (PET)، منهم 52 شخصًا يعانون من اضطرابات مزاجية ظهرت بعد الأربعين، مثل الاكتئاب أو الاضطراب ثنائي القطب، بينما شكل الباقون مجموعة ضابطة من الأصحاء المتوافقين في العمر.
وأظهرت نتائج التصوير أن 50% من المصابين بالاضطرابات المزاجية تراكمت لديهم بروتينات تاو في الدماغ، بينما ظهرت ترسبات بيتا-أميلويد لدى 29% منهم. وفي المقابل، ظهرت هذه العلامات لدى 15% و2% فقط من المجموعة الضابطة، على التوالي.
كما قام الباحثون بتحليل عينات من أنسجة دماغية لـ208 حالات وفاة نتيجة أمراض تنكسية عصبية، ما عزز العلاقة بين الأعراض النفسية وتراكم هذه البروتينات.
وأوضح الدكتور كيسوكي تاكاهاتا، المؤلف المشارك للدراسة، أن هذه التغيرات الدماغية يمكن رصدها في المتوسط قبل 7.3 سنوات من ظهور الأعراض الإدراكية أو الحركية المرتبطة بالخرف.
وقال تاكاهاتا: "تشير هذه النتائج إلى أن الاضطرابات المزاجية، خاصة تلك التي تظهر في سن متأخرة، قد تكون من السمات التمهيدية لأمراض التنكس العصبي. وهذا يتطلب من الأطباء النظر إلى الخرف كاحتمال أساسي عند تشخيص اضطرابات مزاجية جديدة لدى من تجاوزوا الأربعين".
وتعزز هذه النتائج ملاحظات سريرية سابقة ودراسات تشريحية ما بعد الوفاة أظهرت تداخلًا بين المؤشرات البيولوجية للاكتئاب والخرف لدى كبار السن. ومع ذلك، تُعد هذه الدراسة من أوائل الدراسات التي تربط بشكل مباشر بين اضطرابات المزاج المتأخرة ومرض ألزهايمر باستخدام تقنيات التصوير الحديثة على أشخاص أحياء.
وتحمل هذه النتائج آثارًا كبيرة على الممارسات الطبية. وعلّق الدكتور ريتشارد بيرموديس، الطبيب النفسي وكبير المسؤولين الطبيين في مؤسسة BrainsWay، بأن الدراسة تستدعي تغييرًا في طريقة علاج الاضطرابات المزاجية المتأخرة.
وقال بيرموديس لموقع Medical News Today: "لم يعد الأمر يقتصر على علاج أعراض الاكتئاب فقط، بل قد نكون بصدد التدخل في مراحل مبكرة جدًا من التدهور العصبي. وإذا كانت التغيرات المزاجية بعد الأربعين تشير إلى وجود مرض عصبي كامن قبل أكثر من سبع سنوات من ظهور أعراض الخرف، فإننا أمام نافذة علاجية غير مسبوقة“.
وشدد بيرموديس على أن الأساليب التقليدية قد تقلل من خطورة الاكتئاب في سن متقدمة، داعيًا إلى تبني استراتيجيات علاجية شاملة ومتعددة المحاور تستهدف كبار السن، وخصوصًا أولئك الذين قد يكونون في المراحل التمهيدية لأمراض تنكسية عصبية.
ويتفق الخبراء على أهمية التشخيص المبكر. حيث يقول الدكتور غاري سمول، رئيس قسم الطب النفسي في مركز هاكنساك الطبي بولاية نيوجيرسي، إن الاكتئاب والخرف غالبًا ما يتزامنان لدى كبار السن، وإن عدم علاج الاكتئاب يزيد خطر الإصابة بالخرف.
وأضاف سمول: "هناك تداخل كبير بين أعراض الاضطرابات المزاجية وأمراض التنكس العصبي، وهذه النتائج تتماشى مع أبحاث سابقة تؤكد أهمية الكشف المبكر كاستراتيجية أساسية. من الأسهل حماية الدماغ السليم من محاولة إصلاح الضرر بعد حدوثه".
ويخطط تاكاهاتا وفريقه لمتابعة هذه النتائج من خلال دراسات طولية، يتم فيها تتبع المرضى الذين يعانون من اضطرابات مزاجية متأخرة باستخدام تقنيات التصوير العصبي بمرور الوقت. ويهدف الباحثون إلى تحديد أي من هؤلاء المرضى في المرحلة التمهيدية للخرف، وأيهم قد يعاني من حالات نفسية مستقرة لا ترتبط بمرض تنكسي.
واختتم تاكاهاتا بالقول: "تدعم نتائجنا التوجه المتزايد نحو تشخيص ألزهايمر والأمراض المشابهة باستخدام المؤشرات الجزيئية، وليس فقط الأعراض السريرية. فالكشف المبكر يمكن أن يتيح لنا مراقبة الأفراد المعرضين للخطر عن قرب، والتدخل قبل أن تظهر عليهم أعراض التدهور الإدراكي“.
وتُعد هذه الدراسة خطوة مهمة لفهم الأسس البيولوجية للاضطرابات المزاجية في منتصف العمر، وقد تمهد الطريق لتطوير أدوات تشخيصية ووقائية جديدة في مجال رعاية مرضى الخرف.