في عالمنا الحديث، أصبحت الأغذية المصنعة جزءًا لا يتجزأ من نمط حياتنا اليومي، إذ توفر الراحة والسرعة في التحضير وتلبي احتياجاتنا الغذائية بشكل متنوع. إلا أن هذا النوع من الأغذية يحمل في طياته العديد من المخاطر الصحية التي تتطلب فهمًا أعمق، خاصة فيما يتعلق بالمواد المضافة والمنزوعة أثناء التصنيع وتأثيرها في الجسم على المدى الطويل، ولا سيما من خلال تكوين الشوارد الحرة.
وفي هذا السياق، أوضح البروفيسور كمال الغلاييني، استشاري طب القلب ومكافحة الشيخوخة، لـ"إرم نيوز"أن الأغذية المصنعة وإن كانت توفر حلاً سريعًا ومناسبًا للحياة العصرية، إلا أنها قد تُحدث تغيرات خفية في الجسم تضر بالصحة العامة على المدى البعيد.
المواد المضافة وتأثيرها في الجسم
يقول البروفيسور الغلاييني: إن صناعة الأغذية الحديثة تعتمد على عمليات متعددة تهدف إلى تحسين المذاق والمظهر وإطالة مدة الصلاحية، من خلال إضافة مواد حافظة وألوان صناعية ومنكهات ومحسنات قوام. غير أن هذه الإضافات، بحسب الغلاييني، قد تؤدي إلى تراكم مواد كيميائية داخل الجسم، وتزيد احتماليةَ حدوث اضطرابات صحية مع مرور الوقت.
ويضيف أن بعض عمليات التصنيع تتضمن إزالة عناصر غذائية طبيعية مهمة، مثل: الألياف أو البروتينات أو الزيوت النباتية المفيدة، واستبدالها بزيوت مهدرجة أو مكونات صناعية؛ ما يقلل القيمة الغذائية للطعام ويؤثر سلبًا في صحة المستهلك.
خطورة الشوارد الحرة
وأوضح الغلاييني أن الشوارد الحرة هي جزيئات غير مستقرة تحتوي على إلكترونات غير مزدوجة تتكوّن نتيجة عمليات الأكسدة في الجسم، وتلعب دورًا رئيسيًّا في تسريع الشيخوخة وتلف الخلايا. ومع تراكمها، تؤدي إلى تلف الحمض النووي وزيادة خطر الإصابة بالأمراض المزمنة، مثل: القلب، والسكري، والسرطان.
وأشار إلى أن تناول الأغذية الغنية بالمواد الحافظة والملونات الصناعية يُسهم في زيادة إنتاج هذه الشوارد؛ ما يؤدي إلى إجهاد تأكسدي يضعف مناعة الجسم ويؤثر في صحة القلب والأوعية الدموية على المدى الطويل.
الطحين المصنع نموذجًا
وضرب البروفيسور الغلاييني مثالًا على ذلك بـ "الطحين المصنع"، الذي يخضع لعمليات تبييض ومعالجة كيميائية تُفقده جزءًا كبيرًا من مكوناته الطبيعية. وأوضح أن المواد المستخدمة في التبييض، مثل ثاني أكسيد الكلور وأكسيد التيتانيوم، يمكن أن تتراكم في الجسم عند الاستهلاك المتكرر، مسببة أضرارًا صحية مزمنة.
كما أن إزالة الألياف من الطحين تجعل امتصاص السكر أسرع؛ ما يرفع مستويات الجلوكوز في الدم ويزيد خطر الإصابة بالسكري من النوع الثاني وأمراض القلب.
وأوضح البروفيسور كمال أن الاعتماد المفرط على الطحين المصنع في النظام الغذائي يمكن أن يسهم في مشاكل صحية متعددة، منها زيادة الوزن، وارتفاع مستويات الكوليسترول، وارتفاع ضغط الدم، فضلًا عن زيادة احتمالات الإصابة بالأمراض المزمنة. كما أن انخفاض محتواه من الألياف يعوق عملية الهضم، ويزيد خطر الإصابة بالإمساك، ويؤثر سلبًا في صحة الجهاز الهضمي بشكل عام.
وفي ختام حديثه، شدّد البروفيسور كمال الغلاييني على ضرورة تقليل الاعتماد على الأغذية المصنعة قدر الإمكان فالمواد المضافة والمنزوعة أثناء التصنيع ليست مجرد عمليات تقنية، بل لها آثار صحية بعيدة المدى، خاصة فيما يتعلق بتكوين الشوارد الحرة التي تضر بالجسم على المدى الطويل. لذلك، من الضروري أن يكون استهلاكنا للأغذية أكثر وعيًا، مع التركيز على تناول الأطعمة الطبيعية، بهدف حماية صحتنا والمساهمة في حياة أكثر صحة وسلامة.