يُعد الخجل الاجتماعي لدى الأطفال سلوكا شائعا يظهر في صورة تردد أو قلق عند التفاعل مع الآخرين، خاصة في البيئات الجديدة أو أمام الغرباء.
وقد يبدو الطفل خجولًا عندما يتجنب الحديث، يلتزم الصمت، أو يفضّل اللعب بمفرده.
وعلى الرغم من أن بعض درجات الخجل طبيعية، إلا أن استمرارها بشكل مفرط قد يؤثر على تطور الطفل الاجتماعي والثقة بالنفس، ويستدعي دعمًا مناسبًا من الأهل والمعلمين.
حول ذلك قالت الاستشارية النفسية الأسرية والتربوية حنين البطوش إنه من المهم التفرقة بين الخجل الطبيعي والانطواء المرضي، فهما حالتان مختلفتان تمامًا وليسا وجهين لعملة واحدة، فالخجل الطبيعي يُعد استجابة مؤقتة ومألوفة لدى الأطفال عند التعرض لمواقف اجتماعية جديدة أو التعامل مع أشخاص غير معتادين، وقد يظهر على شكل تردد أو ارتباك سرعان ما يزول عندما يشعر الطفل بالأمان، فيبدأ بالتفاعل تدريجيًا.
أما الانطواء المرضي أو ما يُعرف بالقلق الاجتماعي، فهو حالة نفسية أشد وأكثر استمرارية، حيث يعيش الطفل في قلق دائم من التفاعل الاجتماعي، ويُصاب بخوف مفرط من الحكم عليه أو الوقوع في مواقف محرجة.
وأضافت البطوش في حديثها لـ"إرم نيوز" أن الخجل لدى الأطفال يظهر من خلال مجموعة من العلامات السلوكية والعاطفية التي يمكن ملاحظتها بسهولة، فعلى الصعيد السلوكي، قد يبدو الطفل مترددًا أو يميل إلى الانسحاب من المواقف الاجتماعية، كأن يختبئ خلف والديه أو يرفض الانضمام إلى الألعاب الجماعية.
كما يمكن أن تظهر عليه علامات التوتر الجسدي مثل قضم الأظافر، اللعب بالشعر، أو التململ المستمر، وفي بعض الحالات، قد يُعبّر عن قلقه بالبكاء أو نوبات غضب عند مواجهته لمواقف اجتماعية غير مريحة.
أما من الناحية العاطفية فأشارت الأخصائية إلى أن الطفل الخجول يعاني من مشاعر خوف وقلق من الرفض أو الإحراج، ويكون شديد الحساسية للنقد، ومن قلق شديد عند أداء مهام أمام الآخرين، مما يؤثر على ثقته بنفسه ويشعره بعدم الكفاءة، وقد يُرافق ذلك شعور بالوحدة حتى أثناء وجوده بين الآخرين.
وتابعت الأخصائية "يُعاني بعض الأطفال من الخجل نتيجة تداخل مجموعة من العوامل الوراثية والبيئية والنفسية، فعلى الصعيد الوراثي، تلعب الجينات دورًا في تشكيل شخصية الطفل، أما بيئيًا، فإن أسلوب التنشئة له أثر بالغ؛ فقلق الوالدين الزائد، أو أحدهما، يمكن أن يزيد من حساسية الطفل تجاه المواقف الاجتماعية".
كما أن النقد المستمر أو المقارنة السلبية بالآخرين وفقا للأخصائية يُضعف ثقة الطفل بنفسه ويعزز شعوره بالخجل، وتُعد التجارب السلبية مثل التعرض لمواقف محرجة أو مؤلمة في الماضي من أبرز المحفزات التي تدفع الطفل إلى تجنّب المواقف الاجتماعية لاحقًا.
شددت البطوش على أن التعامل الصحيح مع خجل الأطفال يبدأ أولاً بتقبّل هذا السلوك كجزء من شخصية الطفل، دون إجباره على تغييره بشكل فوري.
كما نصحت البطوش الأهل والمربين بعدم وصف الطفل بالخجول بطريقة سلبية، بل التركيز على نقاط قوته وتشجيعه على التفاعل التدريجي.
وأضافت أنه يُمكن دعم الطفل للتغلب على الخجل من خلال اتباع مجموعة من الأساليب التربوية الفعّالة التي تراعي احتياجاته النفسية وتقدّمه التدريجي، أهمها منح الطفل مساحة في إبداء رأيه عندما يختلف عن رأي الكبار وتشجيعه على الحديث في المنزل وفي اللقاءات العائلية، ضمن بيئة تُقدّر الحوار والاستماع.
كما يُعد الإصغاء الجيد للطفل خطوة محورية، إذ يشعره ذلك بقيمة رأيه، ويزيد من رغبته في المشاركة.
ووفقا للأخصائية فأن الإصغاء للطفل بتعاطف يُساعده على فهم ذاته والتعامل مع مشاعره بشكل صحي، كما أن تعزيز ثقته بنفسه يلعب دورًا كبيرًا، ويكون ذلك من خلال التركيز على نقاط قوته، والاحتفال بإنجازاته، وتشجيعه على خوض تجارب جديدة بدعم وتشجيع مستمرين.
ولتطوير مهاراته الاجتماعية، نصحت البطوش بتقديم فرص تدرّجية للتفاعل، بدءًا بمواقف بسيطة مثل اللعب مع طفل مقرّب، ثم التوسّع تدريجيًا إلى مجموعات أكبر، ويمكن تعليمه مهارات التفاعل من خلال التمرين على المحادثات، ولعب الأدوار، وتقديم نماذج سلوكية إيجابية، ومن المهم تجنّب الضغط أو إحراجه أمام الآخرين، وعدم إجباره على مواقف لا يشعر بالارتياح تجاهها، مع التحلي بالكثير من الصبر والتفهّم، لأن تجاوز الخجل يتطلب وقتًا ودعمًا مستمرًا.
ويترك الخجل أثرًا سلبيًا ملحوظًا على نمو الطفل وتطوره في عدة جوانب أساسية وفقا للأخصائية، ففي البيئة المدرسية، قد يعيق الخجل قدرة الطفل على التفاعل بفعالية، إذ يتردد في طرح الأسئلة أو المشاركة في الأنشطة الصفية، وقد يمتنع عن طلب المساعدة، مما ينعكس سلبًا على أدائه الأكاديمي وتحصيله الدراسي.
وأضافت البطوش أنه على الصعيد الاجتماعي، يجد الطفل الخجول صعوبة في بدء المحادثات أو الاستمرار فيها، ما يجعل من تشكيل الصداقات تحديًا حقيقيًا، ويقلل من فرصه في تنمية مهارات التواصل وبناء الثقة بالنفس، وإذا لم يُعالج الخجل بطريقة مناسبة، فقد يتطور لاحقًا إلى اضطراب القلق الاجتماعي، وهو ما قد يؤثر بعمق على علاقاته الشخصية ومستقبله المهني والاجتماعي.
وفيما يتعلق بدور المدرسة فقالت الأخصائية التربوية إنها مسؤولة عن بناء بيئة صفية مشجعة تُشعر الطفل بالأمان وتدفعه للمشاركة دون خوف من الإحراج ويتطلب الأمر متابعة دقيقة لسلوكه وتقديم الدعم بطريقة تحترم خصوصيته، مع تشجيع الأنشطة الجماعية التي تعزز التعاون وبناء العلاقات بين الطلاب.
قالت الأخصائية البطوش إنه يُصبح من الضروري طلب تدخل متخصص عندما يتحوّل الخجل لدى الطفل من سمة طبيعية إلى عائق يؤثر على حياته اليومية، فإذا كان الخجل شديدًا لدرجة تمنعه من الذهاب إلى المدرسة، أو من تشكيل صداقات، أو من المشاركة في الأنشطة التي يحبها، فهذه إشارة تستدعي الانتباه.
كما أن ظهور أعراض مرافقة مثل القلق المفرط، نوبات الهلع، الاكتئاب، أو الانسحاب الاجتماعي الكامل، يعزز الحاجة إلى تدخل مهني.
كذلك بينت البطوش أنه إذا استمر الخجل لفترة طويلة دون تحسن رغم محاولات الأهل والمدرسة لدعمه، أو إذا كان يُسبب له معاناة واضحة وشعورًا بالوحدة والعزلة، فلابد من اللجوء إلى أخصائي نفسي أو سلوكي، حيث يمكن من خلال التقييم الدقيق وضع خطة علاجية مناسبة تُساعد الطفل على تجاوز خجله وبناء ثقته بنفسه تدريجيًا.