رأى الخبير الاقتصادي والمستشار الدولي الفرنسي- الملغاشي المختص في الشؤون الإفريقية، أوليفييه فاليه، أن الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي أعادت النظر في ما يُعرف بـ "الدَّيْن الخفي" للسنغال.
ووفق مؤلف كتاب "ثمن الفرنك الإفريقي"، فإنه بعد وصول الثنائي الرئيس الحالي باسيرو ديوماي فاي ورئيس وزرائه عثمان سونكو إلى السلطة في السنغال، اكتشف صندوق النقد الدولي والأسواق المالية فجأة أن حجم مديونية البلاد كان أعلى مما أُعلن سابقًا.
وأشار إلى أن صندوق النقد الدولي أصدر "فتاوى" ضد الممارسات السيئة في السنغال، مشيرًا إلى واحدة من أخطر حالات التلاعب في التقارير في تاريخه، وإلى وجود عملية احتيال مؤكدة.
فعقب انتخابات مارس 2024، كشف تدقيق أجرته هيئة التفتيش العام للمالية وتقرير صادر عن ديوان المحاسبة عن "مؤشرات مالية أضعف بكثير" من تلك التي أُعلنت سابقًا.
وقد بلغت ديون الدولة المركزية نحو 100 % من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023، أي ما يعادل حوالي 25 نقطة مئوية أكثر من الأرقام التي كانت منشورة حتى ذلك الحين.
زمن التخفيضات
وكانت ضخامة هذه التصحيحات غير مسبوقة، فقد ارتفعت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي من 74,4٪ إلى 99,7٪ في نهاية عام 2023، أما العجز في الميزانية، فقد أُعيد تقييمه من 4,9٪ إلى 12,3٪ من الناتج المحلي الإجمالي.
وفي هذا السياق، كانت وكالة التصنيف الائتماني "موديز" حازمة في موقفها، حيث قالت إن حجم وطبيعة هذه الفجوات يُظهران أن الهامش المالي للسنغال أضيق بكثير مما كان مُعلَنًا، وأن احتياجات التمويل أكبر بكثير"، كما "تكشف هذه الفجوات عن نواقص خطيرة في الحوكمة خلال الماضي"، بحسب الخبير ذاته.
وأضاف: "لم يتأخر العقاب، وكان قاسيًا بحسب فاليه، ففي فبراير 2025، خفّضت وكالة "موديز" تصنيف السنغال من B1 إلى B3، مع نظرة مستقبلية "سلبية"، وذلك بعد تخفيض سابق في أكتوبر 2024".
وفي يوليو 2025، تبعت وكالة "ستاندرد آند بورز" الخطوة بتخفيض جديد.
في غضون أربعة أشهر فقط، فقد التصنيف السيادي للبلاد ثلاث درجات، إذ مثل هذا الانهيار نادر، خصوصًا بالنسبة لدولة ليست في حالة تعثّر عن السداد ولا تمرّ بإعادة هيكلة ديونها.
وأدى انهيار التصنيفات إلى عمليات بيع ضخمة لسندات "اليوروبوند" السنغالية، كما عقد المفاوضات الجارية بين البلاد وصندوق النقد الدولي.
وبحسب الخبير الدولي فقد عاقبت وكالات التصنيف الائتماني القادة الجدد في السنغال على أخطاء ارتُكبت في الماضي، في الوقت نفسه الذي كانوا فيه يقدمون أرقامًا مصححة تُظهر حجم التحدي المالي الخطير خلال الفترة من 2019 إلى 2023.
وأشار أوليفييه فاليه إلى أن حكومة الرئيس ماكي سال حينها، توسعت في الإنفاق خارج الميزانية إلى مستوى استثنائي، دون أي تحذير من البنك المركزي لدول غرب إفريقيا (BCEAO) أو من صندوق النقد الدولي.
أما تقرير ديوان المحاسبة السنغالي فقد كشف حجم النفقات غير المصرح بها في قوانين المالية، والتي تبيّن أن جزءًا كبيرًا منها تم تحويله إلى حسابات خاصة لأفراد.
الحساب الجاد للتلاعب في التقارير المالية
استندت وكالة التصنيف ستاندرد آند بورز (S&P’s) إلى نتائج هذا التدقيق الذي نُشر في سبتمبر 2024، والذي طلبته الحكومة الجديدة، لتقدير حجم الديون غير المسجلة بنحو 13 مليار دولار أمريكي.
وفي أغسطس 2025، تظاهر صندوق النقد الدولي بأنه أعاد النظر في بيانات الديون التي جمعتها شركة التدقيق الدولية "Forvis Mazars"، ليبدو وكأنه على علم بحجم التلاعب في التقارير.
وجاء في تقرير الشركة: "عقب عملية المطابقة التي أجراها مكتب التدقيق الدولي Forvis Mazars، قامت السلطات بمراجعة حجم الدين العام للإدارة المركزية، الذي ارتفع من 74,4٪ إلى 111,0٪ من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية عام 2023".
وأضاف تقرير التدقيق: "تعكس هذه المراجعة بشكل أساسي التزامات لم تكن مُصرّحًا بها سابقًا، وبنهاية عام 2024، تشير الإحصاءات المنقحة إلى أن دين الإدارة المركزية بلغ 118,8٪ من الناتج المحلي الإجمالي".
وأظهرت بيانات رسمية ارتفاع ديون عام 2023 بمقدار 3000 مليار فرنك CFA.
كما أضافت الديون المصرفية المخصّصة لتمويل خزينة الدولة – والتي لم تُسدد قط – مبلغًا إضافيًا قدره 2000 مليار فرنك CFA، ليصل إجمالي الرصيد القائم إلى 55818 مليار فرنك CFA (أي ما يعادل 89 مليار دولار).
وبذلك، ارتفعت نسبة الدين الحقيقي إلى الناتج المحلي الإجمالي من قليلٍ فوق 50٪ في عام 2018 إلى ما يقارب 100٪ في عام 2023.
المالية القائمة على التواطؤ
وقال أوليفييه فاليه إن الممولين قاموا بزيادة حجم ديونهم المستحقة على السنغال دون أن يتحققوا من عبء القروض الممنوحة أو من قانونيتها.
وفي مذكرة نُشرت في 8 أكتوبر 2025، كشف ماكودو نديون (Macodou Ndione) عن المنظومة الدولية المتواطئة التي تشكلت حول الرئيس السابق ماكي سال، الملقب بـ"المحبوب" لدى الدوائر الغربية.
وأشار نديون إلى أن الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD)، وهي الأداة الرئيسة للمساعدات الثنائية الفرنسية، موّلت بين عامي 2014 و2023 أكثر من ملياري يورو من المشاريع في السنغال، كان جزء كبير منها عبارة عن دعم مباشر للميزانية.
ويصف نديون الحلقة المفرغة التي سادت داخل المجتمع المالي الدولي بأنها بسيطة ومحزنة في آن واحد: "كانت هذه التمويلات مشروطة بتنفيذ إصلاحات قطاعية، لكنها لم تكن مرتبطة بإجراء تدقيق شامل للدين العام".
وأضاف: "كانت الوكالة الفرنسية للتنمية تعتمد على تقييمات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، اللذين يُعتبران مرجعين في مجال الشفافية. وهكذا، طالما أن هاتين المؤسستين تصادقان على التقارير الماكرو اقتصادية، استمرت عمليات الصرف الفرنسية دون انقطاع".
وبحسب الخبير، دفع الشعب السنغالي، لأكثر من عقد من الزمن، ثمنًا باهظًا مقابل راحة المانحين الذين وجدوا في إدارةٍ مقلِّدةٍ للحوكمة الغربية واجهةً مطمئنةً لاستمرار الإقراض.
وتابع: "لقد أثبتت المهمة التي كلفت بها السنغال شركة Mazars أهميتها الكبيرة، إذ كشفت زيف الأرقام المعلنة والتي روّج لها مجددًا كلٌّ من صندوق النقد الدولي ووكالات التصنيف الائتماني بسذاجةٍ أو بتهاون".
وخلص إلى أن "آخر إصدار سندات موجَّه للجالية السنغالية في الخارج كان ناجحًا، حيث رأى بنك Barclays البريطاني أن إعادة تقييم الناتج المحلي الإجمالي السنغالي مبررة، ما يخفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى أقلّ قليلًا من 100٪".