logo
تعبيرية
فيديو

حرب الأعماق.. ساحة جديدة لصراع خفي بين روسيا والغرب

17 يناير 2025، 11:09 ص

في الوقت الذي تستعر فيه حرب الأرض والسماء بين روسيا من جهة وأوكرانيا وداعميها من جهة أخرى

في أعماق البحار تخوض موسكو حرباً خفيّة مع دول الغرب حيث لا يُسمع صوت المدافع ولا تُلمح الطائرات،

حرب هجينة لا تُرى بالعين المجردة لكن تداعياتها تتغلغل في شرايين الاقتصاد العالمي وأمن الدول الكبرى.

في العمق إنها "حرب الكابلات البحرية" التي تتبادل روسيا ودول الغرب أصابع الاتهام فيها.

كنز تحت الماء تحول إلى ساحة صراع

تمثل الكابلات البحرية العصب الأساسي لعالم الاتصالات الحديث.. فهي تنقل نحو 95% من البيانات العالمية بما في ذلك البيانات الحساسة للعمليات العسكرية ومعاملات مالية يومية تُقدَّر بـ10 تريليونات دولار

هذه الكابلات التي تمتد لأكثر من 1.2 مليون كيلومتر عبر البحار أصبحت أهدافاً مغرية وورقة ضغطٍ ثقيلة على كاهل الدول الغربية قد تستغلها روسيا متى أرادت ذلك.

ويعتقد حلف الناتو وعلى رأسه الولايات المتحدة أن روسيا خصصت موارد كبيرة لإنشاء "أسطول الظل" الذي يضم سفناً تجارية وغواصات قادرة على التجسس وتنفيذ هجمات تخريبية، وما يزيد الوضع تعقيداً هو صعوبة تعقب هذه العمليات ما يجعل الغرب في حالة تأهب مستمر بسبب الاعتماد الهائل على هذه الكابلات.

أخبار ذات علاقة

العلمان الإيراني والأمريكي

الصين "كلمة السر".. هل تنجح روسيا في تعطيل ضربة ترامب لإيران؟

 أما روسيا فتتمتع بموقع جغرافي يتيح لها الاتصال بالإنترنت عبر كابلات أرضية تربطها بأوروبا وآسيا، مما يجعلها أقل عرضة لهذه الهجمات.

تتألف الشبكة العالمية للكابلات البحرية من أكثر من 600 خط تمر مئات الكابلات عبر المحيط الأطلسي وبحر الشمال والبلطيق وهي مناطق تُعتبر معرضة بشكل خاص للتخريب.. وبينما تزداد مخاوف الاستخبارات الغربية من توسع قدرات روسيا في استهداف هذه البنية التحتية الحيوية يبقى الرد الغربي غير كافٍ لحماية هذه الشبكة الهشة التي تُعد هدفاً مغرياً لأي هجوم مستقبلي.

والعين على "أسطول الظل الروسي" فهو ليس مجرد أسطول، إنه تحدٍ واقعي يهدد البنية التحتية الرقمية للغرب ويضع مستقبل الاتصالات والطاقة في مواجهة مباشرة مع طموحات موسكو.

حروب خفيّة .. كيف تهدد روسيا أمن أوروبا؟

في سبتمبر 2024 اشتعلت الساحة الأوروبية باتهامات خطيرة وجهتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وجهاز الاستخبارات البريطاني ضد روسيا متهمةً إياها بشن "حملة تخريب متهورة" تستهدف البنية التحتية الحيوية في أوروبا.. من تعطيل أنظمة الاتصالات وإضعاف نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) إلى تهديد آلاف الرحلات الجوية المدنية فوق بحر البلطيق والبحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط.

أخبار ذات علاقة

 سيرغي لافروف

روسيا في الشرق الأوسط.. سياسة جديدة أم إعادة تموضع؟

  وكشفت مصادر أمريكية لشبكة CNN  أن روسيا نشرت وحدة سرية تُعرف بـ "المديرية العامة لأبحاث أعماق البحار" (GUGI) والهدف منها هو مراقبة وربما تدمير الكابلات البحرية التي يعتمد عليها الغرب في الإنترنت.. وفقاً للاتهامات فإن روسيا طورت قدرات بحرية عالية التقنية عبر غواصات وسفن تجسس قادرة على إحداث أضرار هائلة ما قد يؤثر على الاقتصادات الغربية بشكل لا يُستهان به.

بحر البلطيق.. ساحة المواجهة الصامتة

منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية عام 2022 شهد بحر البلطيق العديد من الحوادث الغامضة و أبرزها:

في فبراير 2022 انقطع كابل اتصالات قبالة سواحل النرويج عند نقطة عبرتها سفن صيد روسية فيما وُصف لاحقًا بـ"هجوم سفالبارد".

في سبتمبر من نفس العام وقعت سلسلة انفجارات غامضة دمّرت خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 1" الروسي داخل المياه الاقتصادية للدنمارك والسويد وأصابع الاتهام وجّهت لأوكرانيا.

في أكتوبر 2023 توقف خط أنابيب الغاز بين فنلندا وإستونيا بعد قطع كابلات بحرية وسط اتهامات لسفن روسية وصينية بالتورط.

في أكتوبر 2024  ألحقت سفينة صينية  أضراراً بخط غاز رئيسي.. قالت السلطات الصينية إن الأمر كان حادثاً عرضياً فيما يتهم مسؤولون أوروبيون بأن الحادث تم بالتنسيق مع "أسطول الظل الروسي".

تصاعدت الأحداث في نوفمبر 2024 مع انقطاع كابلات بحرية جديدة بين السويد والدنمارك وسط اتهامات تشير إلى سفن صينية مرتبطة بـ"أسطول الظل الروسي" وفقاً للمجلس الأطلسي،  وفي نهاية الشهر ذاته تعرضت كابلات حيوية أخرى لأضرار مما دفع الاتحاد الأوروبي لإدانة هذه الأعمال التخريبية في بيان رسمي مهدداً بعقوبات صارمة.

في نقطة تحول .. كيف رد الناتو ؟

في 25 ديسمبر 2024 أعلنت فنلندا استيلاءها على ناقلة النفط "إيجل إس" المرتبطة بروسيا والمتهمة بخرق العقوبات المفروضة على إيران.. مجلة الإيكونومست وصفت الحدث بأنه نقطة تحول في رد أوروبا على "الحرب الهجينة" التي تشنها روسيا تحت الماء.

بعد أيام قليلة اجتمع حلف "الناتو" في بروكسل في جلسة طارئة ليصدر بياناً واضحاً قال فيه"سنُعزز وجودنا العسكري ونزيد الوعي بالموقف لردع أي حوادث مستقبلية"، كما أعلن الحلف عن تأسيس مركز بحري جديد لمراقبة أمن البنية التحتية الحيوية تحت الماء في منطقة البلطيق فيما تزايدت الدعوات لاتخاذ إجراءات أكثر قوة.

وفقاً لصحيفة بوليتيكو وقّعت بريطانيا ودول أوروبية أخرى اتفاقية لحماية البنية التحتية الحيوية في بحر الشمال.. فمع تحوّل البحر إلى مركز يربط أوروبا بكابلات الطاقة وأنابيب الغاز أدركت هذه الدول أن أي عمليات تخريب قد تتسبب بفوضى لا يمكن تحملها.

تكتيكات الكرملين في الحرب الرمادية

نقلت صحيفة الإيكونوميست عن خبراء غربيين أن الكرملين يعتمد استراتيجيات "الحرب الرمادية" وهي عمليات منخفضة المخاطر تُنفّذ بسرية عالية مثل إسقاط أجهزة استشعار أو تعطيل البنية التحتية أو استهداف الكابلات الحساسة.. ورغم مراقبة "الناتو" الدقيقة لتحركات الأسطول الروسي إلا أن الرد الغربي يظل دون المستوى المطلوب.

ومع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية بلا نهاية واضحة يبدو أن التهديدات ضد كابلات الطاقة والاتصالات ستبقى سيفاً مسلطاً على دول الغرب الداعمة لأوكرانيا.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC