مع انحسار الحضور العسكري الفرنسي عن قلب الساحل الأفريقي، يبدو أن باريس تنوي العودة إلى القارة لكن من بوابة مختلفة ..
اتصال هاتفي بين الرئيس إيمانويل ماكرون ونظيره النيجيري بولا تينوبو أعاد خلط أوراق الدور الفرنسي في غرب أفريقيا، لكن هذه المرة بأدوات "ناعمة" تقوم على التدريب والاستخبارات والمراقبة الحدودية، لا على القواعد العسكرية والجنود..
وبعيداً عن خطابات التدخل المباشر التي باتت تثير حفيظة كثيرين أعلن ماكرون استجابته لطلب نيجيري بتعزيز التعاون الأمني، من دون الخوض في تفاصيل الدعم أو سقفه ووفق مصادر دبلوماسية، فإن باريس تتجه نحو نموذج "الشراكات الأمنية الخفيفة"، عبر تدريب وحدات متخصصة، ودعم تقني لمراقبة الحدود، وتعزيز قدرات تتبع التهريب وشبكات الاتجار خاصة في ظل الأوضاع المتوترة في شمال نيجيريا والتي لم تعد شأنا داخليا صرفا فتصاعد الهجمات، وتداخل مسارات العنف مع النيجر وتشاد، يثير قلق باريس من تمدد الفوضى، لكن السؤال هنا هل يمكن لفرنسا التحرك وحدها في الملف النيجيري؟ وكيف تقرأ الدول الأوروبية وأمريكا التطورات في نيجيريا؟
أوروبياً، تُعد نيجيريا محوراً أساسياً في معادلة أمن غرب أفريقيا، خصوصاً في ملفات الهجرة غير النظامية والسلاح، حيث دفع تصاعد الهجمات في شمال نيجيريا مؤسسات أوروبية لمناقشة تقديم دعم فني وتدريبي للقوات النيجيرية خلال الشهرين الماضيين
أما واشنطن، فتراقب المشهد بحذر لكن التصريحات السابقة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي لوح فيها بإمكانية تدخل عسكري "لحماية المسيحيين في نيجيريا" أثارت مخاوف نيجيرية وأوروبية على حد سواء بالنظر إلى تعقيد المشهد الداخلي في شمالي البلاد ..
وفي المقابل، تحرص أبوجا وفق محللين على الاستفادة من الدعم دون الوقوع في فخ الاصطفافات الخارجية، في ظل واقع أمني لم يعد محكوماً فقط بالجماعات المتشددة، بل أيضاً بشبكات التهريب، والنزاعات على الأراضي، والاقتصاد غير النظامي..
نيجيريا ليست مجرد شريك أمني جديد لفرنسا، بل اختبار حقيقي لقدرة ماكرون على إعادة نفوذ بلاده في أفريقيا دون تكرار أخطاء الماضي فهل تنجح 'العودة الفرنسية الناعمة؟
