في عراق ما بعد الانتخابات، تبدو خريطة السلطة وكأنها أعيد رسمها بالكامل؛ فمن الجنوب إلى بغداد ومن كردستان إلى الأنبار تتوزع مراكز النفوذ، لكن السيطرة الحقيقية هذه المرة تميل نحو جهة واحدة.
"تحالف الإعمار والتنمية" بقيادة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني خرج منتصرا بوضوح، حاصدا أكثر من مليون وثلاثمئة ألف صوت و46 مقعدا برلمانيا، ليصبح القوة الأكبر تحت قبة البرلمان، ويؤسس لمرحلة جديدة من الهيمنة السياسية الشيعية في البلاد.
في المقابل حافظ تحالف تقدم بزعامة محمد الحلبوسي على مكانته كأقوى كتلة سنية، رغم المنافسة العنيفة في المحافظات الغربية، جامعا 36 مقعدا ومؤكدا استمرار نفوذه داخل المناطق السنية.
أما الكتلة الثالثة، فجاءت بوجه قديم.. ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، الذي حصد 29 مقعدا، محاولا العودة إلى الواجهة السياسية رغم تراجع شعبيته.
في الشمال، واصل الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود بارزاني تثبيت قبضته في إقليم كردستان، بحصوله على 28 مقعدا، ليبقى الرقم الصعب في أي مفاوضات لتشكيل الحكومة.
لكن المفاجأة الكبرى لم تكن في أرقام الأحزاب التقليدية، بل في صعود الأجنحة السياسية للميليشيات المسلحة، وعلى رأسها عصائب أهل الحق التي حصدت 28 مقعدا، ومنظمة بدر التي نالت 21، وحركة حقوق التابعة لكتائب حزب الله التي حصدت 3 مقاعد.
نتائج تشير إلى أن البرلمان الجديد سيكون الأكثر تأثيراً من قبل القوى المرتبطة بالسلاح، وأن ملف تشكيل الحكومة سيبقى رهينة التفاهمات بين هذه الأذرع الشيعية.
أما المشاركة الشعبية، فبلغت 56% من أصل أكثر من 21 مليون ناخب، في انتخابات حملت مؤشرات متناقضة بين رغبة في التغيير، وواقع يعيد إنتاج الوجوه ذاتها.
ومع خسارة عدد من الإعلاميين والفنانين الذين خاضوا التجربة الانتخابية، يظل المشهد السياسي العراقي أكثر انغلاقا..
تحالفات شيعية متماسكة وسنية تحاول الحفاظ على مواقعها وكردية تبحث عن مكاسبها.. أما القادم فسيُحسم في كواليس تشكيل الحكومة، حيث لا يكفي الفوز بالأصوات بل بالتحالفات والولاءات.