يقول عضو قيادي في الحزب الجمهوري الأمريكي، إن التصريحات المنقولة على لسان كبيرة موظفي البيت الأبيض، سوزي وايلز، شكّلت صدمةً بين مقربي الرئيس، وخاصة أنها توصف في محيط الرئيس دونالد ترامب بأنها "المرأة الأكثر نفوذًا في المكتب البيضاوي".
يأتي ذلك بالنظر إلى حجم نفوذ وايلز وولائها المطلق للرئيس، كونها استطاعت تغيير وجه البيت الأبيض في مطلع الولاية الرئاسية الثانية بالمكتب البيضاوي، وفق تصريح القيادي الجمهوري لـ"إرم نيوز".
وكانت كبيرة موظفي البيت الأبيض سوزي وايلز كشفت عن توتر داخلي في إدارة الرئيس دونالد ترامب بخصوص عدة قضايا، بدءًا من تطبيق قوانين الهجرة وصولًا إلى تقليص حجم الحكومة.
وكانت مجلة "فانيتي فير" نشرت تصريحات لوايلز مأخوذة من 11 مقابلة أجراها الكاتب كريس ويبل خلال عام الرئيس الجمهوري ترامب الأول من ولايته الثانية، واعتبرت المجلة أن تلك التصريحات ترسم صورة غير لائقة للدور الذي يؤديه بعض المساعدين المقربين من الرئيس الأمريكي.
وأوضح القيادي الجمهوري لـ"إرم نيوز"، أن وايلز نجحت في تحقيق الهدف الأكبر الذي سعى إليه ترامب شخصيًا في كيفية إدارته لشؤون المكتب البيضاوي، بغلق جميع مصادر التسريبات عن وسائل الإعلام التي كانت مصدر الانزعاج الأساسي للرئيس ترامب في ولايته الرئاسية الأولى، وأظهرت البيت الأبيض حينها وكأنه يعيش حالة من السعي الدائم لأجل معرفة من يعملون على تسريب القصص الداخلية لفريق الرئيس إلى وسائل الإعلام بصورة تكاد تكون دورية.
وعندما جاءت وايلز إلى البيت الأبيض، حرصت على رسم الحدود بشكل واضح ومحدد أمام جميع أعضاء إدارة الرئيس، وجعلت الوصول إلى الرئيس يمر عبر ترتيبات تشرف عليها شخصيًا، ولا تجامل فيها أي طرف، بحسب القيادي الجمهوري.
ويوضح المصدر أن ترامب وكبيرة موظفيه نحجا في بناء علاقة ثقة عميقة جدًا في مرحلة وجود الرئيس خارج البيت الأبيض، عندما كانت حينها هي العقل المدبر لخطط ظهوره الإعلامي، وتنظيم وترتيب تفاصيل حملته الرئاسية للعودة إلى البيت الأبيض طيلة السنوات الأربع التي قضاها ترامب في مقر إقامته العائلية بولاية فلوريدا.
حرص ترامب حينها على إبقاء أعضاء فريقه الانتخابي مقربين منه كل الوقت، سواء من خلال العمل في المنتجع السياحي، أم "عن بعد" بسبب جائحة كورونا في العامين الأول والثاني من السنوات الأربع.
وفي جميع هذه الحالات، كانت وايلز المديرة اليومية لشؤون ترامب في ظل أجندة مكثفة بين المتابعة السياسية للأحداث، والقانونية للقضايا التي كانت تلاحق ترامب آنذاك، ومن بعدها إدارة الحملة الانتخابية وفق جدول مزدحم ومكثف على مدار الساعة.
وقالت وايلز في سلسلة مقابلات، وعلى عكس عادتها التي كانت فيها دائمًا بعيدة عن الأضواء والأحاديث الصحفية، إن رئيسها يملك شخصية وتصرفات مدمني الكحول، حتى وهو يقول إنه لم يشرب الكحول أبدًا في حياته.
وتضيف أنها استطاعت التعامل معه بالنظر إلى تجربته الشخصية السابقة مع والدها الذي كان مدمن كحول هو الآخر في حياته.
وتحدثت وايلز عن الكثير من التفاصيل الداخلية للرئيس ترامب، وأسلوب عمله، وقالت الكثير من الآراء الصادمة عن الوجه الآخر للأحداث والقرارات وقصص اتخاذها في المكتب البيضاوي، بل وأكثر من ذلك، إذ تحدثت عن انقسامات بين أعضاء فريق الرئيس، وكذلك معارضتها الشخصية لمجموعة من قرارات الرئيس في أكثر من مناسبة واحدة.
وأظهرت كبيرة الموظفين معارضتها للطريقة التي تصرف بها ترامب مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، التي عمل على إلغاء دورها العالمي خلال فترة وجود الملياردير إيلون ماسك في البيت الأبيض، وقالت إن كل من عمل في الحكومة الأمريكية يدرك أن الوكالة تقوم بعمل جيد.
ولم يكن هذا هو الانتقاد الوحيد الذي صدر عن وايلز، بل إنها تحدثت عن إخفاق وزيرة العدل، بام بوندي، في التعامل مع قضية ملفات جيفري أبستين، وكذلك فشل الإدارة في التعامل مع قضية الهجرة، خاصة في ذلك الجزء المتعلق بعمليات التدقيق في أوضاع المهاجرين غير النظاميين الذين تطاردهم قوات مكافحة الهجرة غير القانونية في مختلف أنحاء البلاد.
وبحسب القيادي الجمهوري، فإن وايلز فتحت بهذه التصريحات الباب أمام كل الذي عملت على إبقائه بعيدًا عن الأنظار طيلة العام الأول من وجود الرئيس ترامب في البيت الأبيض، وذلك لأن الهدف من أسلوبها المتشدد في إدارة شؤون المكتب البيضاوي كان ولا يزال هو إبقاء القصص والأخبار بعيدًا عن أي احتمالات للتسريب للإعلام الأمريكي.
كما أعادت وايلز بتصريحاتها القوية الجدل القديم حول طبيعة علاقة نائب الرئيس جي دي فانس بالرئيس ترامب، إلى الواجهة.
فانس الذي كان أحد كبار منتقدي الرئيس ترامب داخل الحزب الجمهوري، لدرجة وصفه وقتها بأنه هتلر الولايات المتحدة، ثم عاد وتصالح مع ترامب خلال فترة إدارة الرئيس السابق جو بايدن، ليتم لاحقًا اختياره من بين قيادات الحزب الجمهوري الآخرين لمنصب نائب الرئيس.
وتقول وايلز إن فانس لديه أفكار تشبه أفكار المروجين لنظرية المؤامرة، مضيفة أنه اختار دعم ترامب بسبب طموحاته السياسية عندما ترشح لمنصب سيناتور ولاية أوهايو، ليصبح لاحقًا على قائمة المرشح الرئاسي ترامب لمنصب نائب الرئيس.
ولم تكن هذه التصريحات الداخلية القوية وحدها، بل شملت ملفات أخرى ترتبط بالتعبير عن معارضتها لسياسات الرئيس ترامب في ملف الرسوم الجمركية، وقالت بشأن ذلك إنها تحدث انقسامًا كبيرًا في صفوف أعضاء فريق الرئيس، بين مؤيد ومعارض.
وعندما عادت وايلز إلى الحديث عن الوزير المكلف بتطوير الكفاءة الحكومية السابق في فريق ترامب، صديقه السابق الملياردير إيلون ماسك، قالت إن تصرفاته غريبة وغير طبيعية في الكثير من الأحيان.
وأكثر ما كان لافتًا في حديث كبيرة موظفي الرئيس، قولها إن الرئيس يملك شخصية مندفعة.. هو يتصرف بناء على قناعته الشخصية بأنه قادر على فعل أي شيء، وأن لا شيء يحده أو يوقفه.
يقول القيادي الجمهوري أيضًا إن هذه التصريحات غير مناسبة ظرفيًا بالكامل لمساعي الرئيس والحزب الجمهوري من ورائه، ذلك لأن ترامب يكافح حاليًا لإعادة التوازن لمستويات شعبيته المنخفضة إلى معدلات قياسية بين الأمريكيين بسبب الوضع الاقتصادي الحالي في البلاد.
ولفت إلى أنه لأجل ذلك أطلق الرئيس سلسلة جولات ميدانية في الولايات الداخلية للحديث إلى أنصاره وقواعده الانتخابية المؤيدة، والتي كان قد بدأها قبل أسبوع بولاية بنسلفانيا، وسوف يتبعها بزيارة لولاية نورث كارولينا نهاية هذا الأسبوع.
مسألة أخرى أثارها القيادي الجمهوري، وهي أن وايلز التي تجمعها علاقة شد وجذب بكبار موظفي البيت الأبيض، سوف يكون لتصريحاتها انعكاس مباشر على العلاقة مع هؤلاء في المرحلة المقبلة، وربما سوف تشكل مدخلًا لأزمات داخلية بين أعضاء الفريق المقرب من الرئيس في دائرته الضيقة.
وسارع البيت الأبيض إلى التهدئة بعد نشر هذه التصريحات، مؤكدًا أن كبيرة الموظفين لا تزال تحظى بالثقة الكاملة في المكتب البيضاوي، فيما قالت وايلز إن تصريحاتها أخرجت عن سياقها، وتم توظيفها بصورة تسيء إليها وإلى الرئيس ترامب.
وما يقوله المقربون من البيت الأبيض، لـ"إرم نيوز"، يتمثل في أن هذه التصريحات تظهر وجود أزمة في محيط الرئيس ترامب الضيق، واختلافات جوهرية في التعامل مع كثير من القضايا المركزية في أجندته الرئاسية، لكن الأهم من ذلك أنها تصريحات سوف تهدد مستقبل استمرار كبيرة الموظفين بالبيت الأبيض في ما تبقى للرئيس ترامب من سنوات ثلاث من عمر ولايته الرئاسية الثانية.