logo
العالم

بين نار الجبهات وضغط السياسة.. كييف أمام اختبار التنازل الصعب

فوهة مدفع أمام العلم الأوكراني المصدر: (أ ف ب)

لم تعد كييف تقف فقط على خط تماس عسكري مشتعل، بل باتت محاصرة أيضًا بضغوط سياسية متسارعة، تتقدم بوتيرة لا تقل حدة عن وقع القذائف، فمع اقتراب نهاية عام 2025، تدخل الحرب الأوكرانية مرحلة دقيقة، يتداخل فيها الضغط التفاوضي مع التصعيد الميداني.

ورغم بطء التقدم، إلا أن الجيش الروسي فرض إيقاعاً ضاغطاً على مختلف الجبهات، وحقق مكاسب لافتة خلال الأشهر الأخيرة، وأبرزها سيطرته على ما يقرب من خُمس الأراضي الأوكرانية، بينها القرم وأجزاء واسعة من دونيتسك وخيرسون وزابوروجيا. 

وفي المقابل، يتزايد الضغط الدبلوماسي على القيادة الأوكرانية، لا سيما من الولايات المتحدة، التي تبدو أكثر اندفاعًا نحو تسوية سريعة تُنهي حربًا باتت عبئًا سياسيًا واقتصاديًا.

وتضع الخطة الأمريكية المطروحة، بما تتضمنه من بنود مثيرة للجدل، كييف أمام خيارات صعبة، إذ تطالبها بالتخلي عن طموح الانضمام إلى حلف الناتو، وقبول ترتيبات أمنية بديلة، وفتح الباب أمام حلول وسط في ملف الأراضي، مقابل ضمانات أمنية ودعم مالي واسع لإعادة الإعمار.

ويتسم الموقف الأوكراني - حتى الآن - بالرفض العلني والانفتاح الحذر، خاصة وأن الرئيس فولوديمير زيلينسكي شدد على أن أي قرار يمس الأراضي يجب أن يحظى بموافقة شعبية، في ظل خطوط حمراء دستورية وسياسية لا يمكن تجاوزها بسهولة. 

وفي الوقت نفسه، تواصل موسكو تمسكها بموقف متصلب، رافضة أي حديث عن تنازلات، ومعتبرة المناطق التي تسيطر عليها أراضي روسية غير قابلة للنقاش. 

وبين هذا وذاك، يبدو أن كييف واقعة بين مطرقة الواقع العسكري وسندان الضغوط التفاوضية، وسوف تحدد الأيام المقبلة إن كانت هذه الضغوط ستُترجم إلى تنازلات أوكرانية محتملة أو حلول وسطية محسوبة؟

ويرى الخبراء أن تصاعد الضغطين التفاوضي والعسكري على أوكرانيا يعكس محاولة دولية لدفع مسار التسوية قبل انزلاق الحرب إلى مستويات أعمق من الاستنزاف، خاصة وأن التحركات العسكرية الروسية تُستخدم كورقة ضغط مباشرة لرفع كلفة الرفض السياسي في كييف. 

وأضاف الخبراء أن الولايات المتحدة تمسك اليوم بمفاتيح الوساطة، وتسعى إلى ضبط إيقاع الصراع عبر مزيج من الضغوط والحوافز، فيما يظل الموقف الأوروبي عامل توازن يحد من اندفاع واشنطن نحو تسوية سريعة.

وأشاروا إلى أن أوكرانيا، رغم الضغوط المتزايدة، لا تزال خارج سيناريو الانكسار، لكنها قد تجد نفسها أمام خيارات صعبة إذا استمر الاستنزاف، ما يفتح الباب أمام تنازلات سياسية محدودة لا ترقى إلى مستوى «التنازلات الكبرى»، بقدر ما تهدف إلى كسب الوقت ومنع فرض تسوية قسرية عليها.

وقال عماد أبو الرب، رئيس المركز الأوكراني للتواصل والحوار، إن الساحة الدولية تشهد في المرحلة الراهنة تصاعدًا ملحوظًا في الضغوط التفاوضية التي تمارسها عدة أطراف فاعلة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية التي تسعى بأي وسيلة ممكنة، إلى الدفع باتجاه إنهاء الحرب أو على الأقل إطلاق مسار تفاوضي جاد قبل نهاية العام. 

وأكد أبو الرب في تصريح لـ"إرم نيوز" أن روسيا لا تزال تنتظر ما ستسفر عنه المخرجات النهائية لمؤتمر برلين الأخير من أجل بلورة موقفها السياسي، مشيرًا إلى أن الموقف الروسي ما زال يتسم بقدر كبير من الجمود وعدم المرونة، الأمر الذي ينعكس بشكل مباشر وسلبي على فرص تحقيق تقدم فعلي في مسار المفاوضات. 

وأضاف أن نجاح أي عملية تفاوضية محتملة سيظل مرتبطًا بصورة أساسية بالدور الأمريكي، مؤكدًا أن الكرة باتت في ملعب الولايات المتحدة، نظرًا لما تمتلكه من ثقل سياسي ودبلوماسي يؤهلها للقيام بدور الوسيط المؤثر، ليس عبر الضغوط المباشرة فقط، وإنما من خلال طرح صفقات وحوافز يمكن أن تسهم في تقليص مساحات الاستنزاف المستمر للطرفين في حال استمرار الحرب. 

وشدد رئيس المركز الأوكراني للتواصل والحوار، على أن واشنطن قادرة على توظيف سياسة العصا والجزرة لفتح نافذة انفراج سياسي جديدة، محذرًا من أن إخفاقها في تفعيل هذا الدور سيُبقي الصراع داخل دائرة مفرغة عنوانها الاستنزاف واستمرار الحرب وفشل جهود الوساطة، بما يعني مزيدًا من الخسائر البشرية والمادية لكلا الطرفين. 

وأكد أن أوكرانيا لا تقف عند حافة الانكسار أو الهزيمة، مشددًا على أنها لا تزال تمتلك القدرة على الصمود، وتواصل العمل على حشد دعم حلفائها الدوليين بهدف الوصول إلى حلول سياسية متوازنة تُنهي الحرب وتحقق الحد الأدنى من تطلعات الأطراف المعنية.

من جانبه، قال إبراهيم كابان، مدير شبكة الجيوستراتيجي للدراسات، إن روسيا تمارس ضغوطًا كبيرة عبر تحركات عسكرية قوية داخل الأراضي الأوكرانية، موضحًا أن هذه التحركات تمثل أداة ضغط مباشرة على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. 

وأشار في تصريحات لـ"إرم نيوز" إلى أن الولايات المتحدة تبدو وكأنها تسعى إلى ضبط إيقاع طرفي الصراع بما يخدم مصالحها الاستراتيجية، غير أن أوروبا، حتى الآن، تعيق هذا المسار. 

ولفت مدير شبكة الجيوستراتيجي للدراسات، إلى وجود استراتيجية أمريكية أوروبية متوافق عليها من حيث المبدأ، إلا أن لكل طرف أولوياته ومصالحه الخاصة. 

وأضاف أن الإدارة الأمريكية تضع مصالحها في المقدمة، وفي الوقت نفسه تمارس ضغوطًا قوية ومكثفة لدفع زيلينسكي والجيش الأوكراني نحو تقديم تنازلات على طاولة المفاوضات، وأن ما يجري خلف الكواليس يعكس استخدام الضغوط العلنية كأداة لتعزيز فرص التفاوض السري عبر استعراض القوة العسكرية المفرطة.  

أخبار ذات علاقة

القادة الأوروبيون

روسيا تكسب "المعركة الكبرى".. عجز أوروبي يطيل أمد الحرب الأوكرانية

وأكد كابان أن أوروبا تتحرك في المقابل للدفاع عن المصالح الأوكرانية، من خلال رفض بعض التوجهات الأمريكية المفروضة على كييف، معتبرًا أن جميع الأطراف المنخرطة في الأزمة تخوض لعبة سياسية معقدة تقوم على مبدأ "من يتنازل أولًا"، تمهيدًا للوصول إلى اتفاق محتمل.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC