يرى خبراء في السياسة النووية والعلاقات الدولية أن العلاقة بين فرنسا وإيران في المجال النووي مرّت بعقود من الوعود المتبادلة والصراعات الخفية، بدأت منذ سبعينيات القرن الماضي مع اتفاق "يوروديف"، وصولا إلى الاحتكاكات الدبلوماسية الراهنة حول برنامج طهران النووي.
وفي تقرير نشرته صحيفة "لوموند" الفرنسية بعنوان: "عندما وعدت فرنسا إيران باليورانيوم المخصب... أصول اتفاق نووي ملعون"، وصفت الصحيفة القصة بأنها "سم بطيء" ينخر علاقة باريس بطهران.
وأشارت الصحيفة إلى أن جذور التوتر تعود إلى الثمانينيات، عندما وُعدت إيران بالحصول على 10% من إنتاج اليورانيوم المخصب من مصنع "يوروديف" مقابل قرض بقيمة مليار دولار قدمه الشاه محمد رضا بهلوي. لكن اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979 أدى إلى انهيار الاتفاق، وتوقفت الشحنات، مما تسبب في أزمة سياسية واقتصادية استمرت لسنوات.
ووصفت "لوموند" الاتفاق بأنه "عهد ملعون"، استخدمته طهران لاحقاً لترويج رواية عن ازدواجية المعايير الغربية، متهمة فرنسا بعدم الوفاء بالتزاماتها. وقد دفعت باريس لاحقا مليارات الدولارات ضمن تسوية أنهت هذه الأزمة في أواخر الثمانينيات، وفق قوله.
وقال فريديريك بوزو، أستاذ التاريخ المعاصر والعلاقات الدولية في جامعة باريس، في تصريح لـ"إرم نيوز"، إن "اتفاق يوروديف لم يكن مجرد صفقة تجارية، بل جزء من لعبة نفوذ دولية"، مؤكداً أن الوعد بتزويد إيران باليورانيوم المخصب "شكّل ارتباطا مصيريا بين سيادة الطاقة والتوازن الجيوسياسي".
وأضاف أن "الخلل الحقيقي تمثّل في الانقطاع الدبلوماسي بعد الثورة وعدم تنفيذ الالتزامات، ما ترك فرنسا مكشوفة أمام أزمة اعتبار دولية".
وشدد بوزو على أن "أي مفاوضات جديدة مع طهران يجب أن تنطلق من هذا التاريخ المعقّد"، داعيا باريس إلى "اعتراف واضح بإخلالها السابق، إذا كانت ترغب في بناء مسار تفاوضي فعّال ومتين".
من جانبه، قال موريس فاييس، أستاذ التاريخ الدولي في معهد العلوم السياسية بباريس، وخبير في الشؤون النووية والدفاع الدولي، لـ"إرم نيوز"، إن "الخطأ الفرنسي لم يكمن فقط في الوعود غير المنفذة، بل في سوء إدارة اللحظة الدبلوماسية الحرجة".
وأضاف أن باريس تعاملت مع أزمة "يوروديف" بوصفها مسألة مالية عابرة، لا تحدياً استراتيجياً، وهو ما ترك خلفه إرثاً من الشك وعدم الثقة.
وأوضح فاييس أن فرنسا اليوم، مع استعدادها للعودة إلى طاولة المفاوضات النووية، تجد نفسها أمام لحظة مصيرية، متسائلاً: "هل تتعلّم باريس من أخطاء الماضي، أم تعيد إنتاج النمط الدبلوماسي القديم؟".
وأشار إلى أن التوتر الحالي يطرح باعتباره تهديدا وجوديا وفق تصريحات وزير الخارجية الفرنسي، ما يعكس تحوّلا في الموقف الفرنسي نحو صياغة آلية تفاوضية أوروبية، لا تقتصر فقط على الرؤية الأمريكية.
وشدد على أن "التعاطي مع طهران في هذه المرحلة يتطلب اعترافا واضحا بتاريخ "يوروديف" كعقدة رمزية لا يمكن تجاوزها لبناء الثقة".
واعتبر فاييس أن العلاقة النووية بين فرنسا وإيران ما زالت مثقلة بأسئلة الماضي وأخطاء لم تُعالج لا سياسياً ولا أخلاقياً، على حد تعبيره.
وأشار إلى أن "عودة طهران إلى الحوار تفتح أمام باريس خياراً حاسماً: إما الانخراط في دبلوماسية جديدة تنطلق من الاعتراف بالخطأ وبناء الثقة من خلال الشفافية والالتزام، أو إعادة إنتاج سيناريوهات قديمة في ظروف دولية أشد تعقيداً وضغطاً".