رغم التحذيرات الرسمية الصارمة الصادرة عن فرنسا، لا يزال عدد من مواطنيها يتوجهون إلى إيران، في وقت تُتهم فيه طهران باتباع سياسة "دبلوماسية الرهائن" عبر اعتقال عشوائي لأجانب، خاصة الغربيين، بتهم التجسس والتآمر.
ومنذ يناير 2020، أدرجت فرنسا إيران على "اللائحة الحمراء" ضمن الدول التي يُحذّر من السفر إليها "بشكل رسمي".
ومع ذلك، لا يزال فرنسيون، من مختلف الأعمار والخلفيات، يتجاهلون هذه التحذيرات، مدفوعين بشغف ثقافي، أو دوافع شخصية، أو ارتباطات عائلية، معرضين أنفسهم لخطر الاعتقال في بلدٍ أصبح ساحةً معروفة لـ"دبلوماسية الرهائن"، حسبما تقول مجلة "لوبوان" الفرنسية.
صوفي، شابة فرنسية تبلغ من العمر 27 عامًا، قررت زيارة إيران لمدة 5 أسابيع في مايو الماضي، بعد أن تعرفت على شابة إيرانية في إسطنبول، ورغم علمها بالتحذيرات، تقول: "لم أشعر أبدًا بالخوف من الاعتقال. شعرت بالأمان طوال الوقت، والناس كانوا ودودين للغاية".
للحد من المخاطر، استخدمت صوفي جواز سفرها الياباني، مستندة إلى حقيقة أن معظم المعتقلين في إيران من الغربيين، وليس الآسيويين.
أما كلير، فرنسية تبلغ من العمر 59 عامًا، فقد زارت إيران 7 مرات منذ 1996، وتقول للمجلة: "إيران بلد رائع، غني بالثقافة والتاريخ. الإعلام الغربي يصور إيران دائمًا كعدو، بينما الواقع مختلف تمامًا".
كلير كانت في طهران، في أكتوبر 2024، أثناء التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل، لكنها تصر على أنها لم تشعر بأي تهديد، بل تعتبر أن "ركوب المترو في باريس أحيانًا أخطر من التواجد في طهران".
ورغم هذه الشهادات الإيجابية، تبقى المخاطر حقيقية، بحسب لوبوان، فأكثر من 10 فرنسيين اعتُقلوا في إيران خلال السنوات الأخيرة، بينهم سيسيل كوهلر وجاك باريس، وهما أستاذان احتُجزا منذ 2022، إضافة إلى لينارت مونتيرلوس، الشاب الفرنسي الذي سُجن في يونيو 2025 أثناء رحلته بالدراجة في إيران بتهمة "التجسس".
وتؤكد نيدا، فرنسية-إيرانية من ستراسبورغ، أنها تدرك جيدًا المخاطر المرتبطة بسفرها المتكرر إلى إيران: "أنا أعلم أنه إذا احتاج النظام إلى رهينة فرنسية، قد أكون أنا. لكن لا أستطيع التوقف عن الذهاب".
ورغم حبها الشديد للبلد، تتجنب نيدا الحديث في السياسة، ولا تنشر شيئًا على مواقع التواصل الاجتماعي، حرصًا على عدم إثارة انتباه السلطات.
وعلى أرض الواقع، لاحظت نيدا تحررًا في حرية التعبير في السنوات الأخيرة.
وتضيف: "أصبح الإيرانيون أكثر صراحةً من ذي قبل، في الشوارع أو في سيارات الأجرة. إنهم لا يترددون في انتقاد النظام الذي يملأ جيوبه بالثروات بينما الوضع الاقتصادي كارثي، ومستوى معيشة الشعب في تدهور مستمر".
وبينما تُدرك الأم تمامًا مخاطر استمرار سفرها إلى الجمهورية الإسلامية، إلا أنها قد اختبرت بالفعل القلق المرتبط بخوفها من الاعتقال.
في يونيو/حزيران 2024، كانت برفقة ابنها عندما علمت باعتقال بشير بيزار، وهو مواطن إيراني تعتبره باريس عميلًا للحرس الثوري الإيراني، في فرنسا.
تتذكر بنبرةٍ عاطفية: "كنتُ في حالةٍ من التوتر الشديد، خائفةً من أن يُعتقل انتقامًا منه. لمدة 10 أيام، لم أقل له شيئًا حتى لا أقلقه، لكنني لم أتركه يغيب عن نظري خوفًا من أن يُختطف. بمجرد وصولي إلى الطائرة، شعرتُ بالأسف الشديد لأخذه معي".
تشير الخارجية الفرنسية إلى أن الإيرانيين من حملة الجنسية المزدوجة، لا يُعترف بهم كمواطنين فرنسيين في إيران، وبالتالي لا يتمتعون بأي حماية قنصلية، ما يجعل وضعهم أكثر هشاشة.
ومع كل هذه المخاطر، لا تزال إيران، رغم عزلة نظامها، تحافظ على جاذبيتها لعدد من الفرنسيين، سواء بدافع الانتماء أو الفضول أو الحب.
وبينما يرى البعض أن السفر إلى هذا البلد هو مغامرة شخصية محسوبة، يراه آخرون مجازفة غير محسوبة في ظل نظام سياسي لا يمكن التنبؤ بتصرفاته.
وفي الوقت الذي تحذّر فيه السلطات الفرنسية من السفر إلى إيران، يبقى القرار في يد المسافر.
لكن كما يُظهر التقرير، فإن الانجذاب إلى الثقافة الإيرانية، والروابط الشخصية، والإحساس بالاستثناء الفردي، كلّها عوامل تدفع فرنسيين إلى تحدي التحذيرات، في وقت يتصاعد فيه القلق من تحوّل هؤلاء إلى ضحايا محتملين لـ"دبلوماسية الرهائن".