تظهر سلسلة من حوادث إطلاق النار المميتة المرتبطة بالمخدرات في قلب المدينة التي تضم مؤسسات الاتحاد الأوروبي مدى تدهور بروكسل، ومع تراكم الديون اليومية، وجمود سياسي يفتقر إلى القيادة، فإن التقارير تتحدث عن اقتراب العاصمة البلجيكية من الانهيار.
وبحسب تقرير لصحيفة "بوليتيكو" الأمريكية، فإن حوادث القتل المتصاعدة، والتي لم تكن تخطر على بال أحد قبل سنوات، تكشف عن مدينة في حالة تدهور حاد، وحاجة ماسة لقيادة سياسية قوية.
لكن بروكسل تفتقر إلى أي قيادة سياسية، فالهيكل السياسي البلجيكي المتشابك يتضمن نظامًا حكوميًا متعدد الطبقات، لكل منها صلاحياته الخاصة، وغالبًا ما يعاني من صراعات داخلية.
ويقول تقرير الصحيفة إنه عندما ينجح النظام، تكون الأمور على ما يرام، ولكن عندما يفشل، ينتج عنه شلل، وهذا ما تشهده منطقة بروكسل، حيث لا يزال السياسيون، بعد تسعة أشهر من الانتخابات، يتجادلون في ظل غياب حكومة في الأفق.
ولم يقتصر الأمر على كشف الفوضى السياسية، وعدم تنسيق عمليات مكافحة الجريمة في بروكسل، بل إن بناء المساكن الاجتماعية ومشاريع البنية التحتية الكبرى معرض أيضًا للتأخير.
كما أن الإعانات، مثل تلك المخصصة للجمعيات الخيرية والمنظمات غير الحكومية والمشاريع الثقافية، مُجمدة.
ويحيط الغموض بتمويل مراكز الرعاية الاجتماعية والشرطة والسلطات المحلية، فيما يتراكم الدين العام بسرعة تقارب سرعة تراكم أكياس القمامة في الشوارع المتسخة.
ويقول كريستوف دي بوكيلير، النائب الوسطي إن بقاء بروكسل، كمدينة "على المحك".
فضيحة 4 ملايين يورو يوميا
وبعيدًا عن ساحة غراند بليس المزدحمة بالسياح، ذات الطابع القوطي الجديد، ومتاجر الشوكولاتة الجميلة، وقاعات البيرة المزخرفة، تبدو هذه المدينة على شفا الانهيار.
ويتجاوز دين العاصمة 14 مليار يورو، دون احتساب الـ1.6 مليار يورو المتوقع إضافتها هذا العام. وقدّرت صحيفة "بروز" البلجيكية أن العجز، وهو الفرق بين إنفاق المدينة وإيراداتها، يتزايد بمقدار 4 ملايين يورو يوميًا.
مع مُكافحة بلجيكا لتلبية تخفيضات الإنفاق التي فرضها الاتحاد الأوروبي، تُشكّل ديون بروكسل "عبئًا على الدولة بأكملها"، وفقًا لديف سينارديت، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بروكسل الحرة.
وقد تسوء الأمور، فقد حذّر وزير الميزانية المؤقت، سفين جاتز، من إمكانية تخفيض التصنيف الائتماني للمنطقة بحلول الصيف؛ ما سيجعل الاقتراض أكثر تكلفة؛ ما يزيد من ديونها.
ويرى سينارديت أن ذلك قد يُشكّل على الأقل ضغطًا لتشكيل حكومة أخيرًا.
طريق مسدود
في الوقت الحالي، حتى أحدث مسار للمفاوضات، وهو تشكيل حكومة أقلية، يبدو مشكوكًا فيه؛ نظرًا لاحتياجها إلى موافقة الأغلبية البرلمانية لبدء العمل، ولكل قرار تتخذه بعد ذلك.
مع أن هذا ليس الحل الأمثل لمواجهة تحديات بروكسل، إلا أن "حكومة أقلية ستكون أفضل تجهيزًا من عدم وجود حكومة"، كما قال دي بيوكيلير، لكنها تظل مستبعدة في ظل الانقسامات "اللغوية" والعرقية في المدينة.
أمن مُفتقد
وفي حين أن بلجيكا مقسمة إلى ثلاث مناطق، فإن بروكسل نفسها مقسمة إلى 19 بلدية. لكل منها رئيس بلدية خاص بها. وتدير هذه البلديات قوات الشرطة الست في المنطقة.
مع تصاعد معدلات الجريمة والعنف، أعلنت الحكومة الفيدرالية البلجيكية رغبتها في دمج هذه القوات المنفصلة في كيان واحد. ولم يكن مفاجئًا أن ينتقد سياسيو بروكسل هذا القرار بشدة.
ويجادلون بأن المشكلة الحقيقية مع الشرطة لا تكمن في تنظيمها المعقد، بل في نقص التمويل الوطني، وأن هذا الدمج يُنذر بعزل الشرطة عن مواطني بروكسل.
ومثال على هذا الانقسام المرير، يُلقي البعض، مثل فرانسوا دي سميت من حزب "ديفي"، باللوم على الحكومة الوطنية الجديدة لفرضها مشروعًا قوميًا مُفضلًا ضد رغبة بروكسل.
في ظل هذا الجمود، يخشى البعض من أن يتلاشى حق بروكسل في تقرير المصير.