بينما تُحكم الولايات المتحدة وأوروبا قبضتها على شركات التكنولوجيا الروسية، تتحرك موسكو بخطوات واثقة لتوسيع نفوذها السيبراني عبر أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا.
ووفقا للتقارير، فإن الهدف المعلن، هو تقديم خدماتها كدرع رقمي يحمي الحكومات من "التدخل الغربي"، بينما الهدف غير المعلن، يتمثل في تثبيت حضور روسي في البنية التحتية الرقمية العالمية.
في أبريل الماضي، استضاف نيكولاي باتروشيف، رئيس مجلس الأمن الروسي، اجتماعا رفيع المستوى في سانت بطرسبرغ حضره مستشارو الأمن القومي ورؤساء أجهزة المخابرات من البرازيل والسودان، وتايلاند، وأوغندا، والصين، وإيران، إضافة إلى ممثلين عن جامعة الدول العربية.
دار محور الاجتماع حول "سيادة المعلومات والأمن"، مع عرض مباشر لكيفية مساعدة شركات الأمن السيبراني الروسية الحكومات على إحكام السيطرة على بنيتها التحتية الوطنية للمعلومات.
ورحّب الكثير من المشاركين بالعرض، معتبرين أن التقنيات الروسية تتيح لهم تحصين فضاءاتهم الرقمية ومواجهة النفوذ الغربي المتغلغل عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ولم تكتفِ روسيا بالطرح النظري، بل دمجت هذا التوجه في استراتيجية شاملة تشمل نشر مجموعات شبه عسكرية مثل "فاغنر"، وفتح مراكز ثقافية روسية في أفريقيا، وتوسيع عملياتها الاستخباراتية في مناطق التنافس بين القوى الكبرى.
وأفاد خبر أن العديد من شركات الإنترنت الروسية، مثل "كاسبرسكي لاب" و"بوزيتيف تكنولوجيز"، تُحافظ على روابط وثيقة مع الجيش والاستخبارات في موسكو، وهو ما جعلها هدفا مباشرا للعقوبات الأمريكية في 2021 و2024.
ورغم نفي الشركتين، اعتبرت واشنطن أن تعاونهما مع الكرملين أمرٌ لا يمكن تجاهله.
منذ ذلك الاجتماع، تحركت الشركات الروسية بخطى أسرع؛ فقد وقّعت "بوزيتيف تكنولوجيز" اتفاقية توزيع مع شركة ميد إيست كوميونيكيشن سيستمز في القاهرة، لتؤسس موطئ قدم في أفريقيا والشرق الأوسط.
أما مؤسسة "سايبرس" فقد تعاونت مع شركة العديد القطرية للأعمال لإطلاق "سايبردوم قطر" و"هاك أكاديمي"، قبل أن تنتقل إلى العمل مع منظمة معاهدة الأمن الجماعي لتنسيق الدفاعات السيبرانية بين الدول الأعضاء.
وفي أفريقيا، عززت "كاسبرسكي لاب" حضورها عبر توقيع اتفاقيات مع سمارت أفريكا والانضمام إلى الشبكة الأفريقية لهيئات الأمن السيبراني؛ ما جعلها لاعبا رئيسا في تشكيل ملامح قطاع ناشئ في القارة.
من جانبه، شدد يوري ماكسيموف، المؤسس المشارك لـ"بوزيتيف تكنولوجيز" و"سايبرس"، في منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي 2025، على أن "السيادة الرقمية" باتت شرطا أساسيا للدول التي تفتقر إلى الاستقلال التكنولوجي.
ويقود أندريه بيزروكوف، العميل الروسي السابق في الولايات المتحدة، الجمعية الروسية لتصدير السيادة التكنولوجية، مروجا لخدمات موسكو السيبرانية في الخارج باعتبارها الحل الأمثل للدول الباحثة عن بدائل خارج النفوذ الغربي.
وحذّر خبراء من أن روسيا، عبر هذه الشبكات، تفتح لنفسها أبوابا على البنية التحتية الرقمية للدول الأجنبية، بل وتؤثر في تدريب الجيل القادم من المتخصصين في الأمن السيبراني، موضحين أن هذا التوسع لا يخلو من المخاطر.
وفي مفارقة لافتة، يبدو أن العقوبات الغربية سرّعت، من دون قصد، تمدد موسكو عالميا، ومنحتها فرصة غير مسبوقة لتثبيت نفوذها على خرائط الأمن السيبراني من آسيا إلى أفريقيا.