باتت العلاقة بين الولايات المتحدة والهند على مفترق طرق يحدد موقع نيودلهي في خريطة التحالفات الكبرى؛ فالخلافات الأخيرة حول الرسوم الجمركية، وشراء النفط الروسي، وتجدد التوتر بشأن باكستان عمّقت فجوة من سوء الفهم والاتهامات العلنية، وكشفت أن المستقبل لم يعد مضمونًا.
وكشفت "فورين أفيرز"، أن الهند، التي صعدت، خلال جيلٍ واحد، لتصبح أحد أهم شركاء واشنطن عالميًا، تجد نفسها، اليوم، بين خيارين متباينين، إما أن تكون ركيزةً لتحالف ديمقراطي جديد بقيادة الولايات المتحدة، أو تتحول إلى ورقة رابحة في يد موسكو وبكين؛ فمشهد مودي وهو يظهر إلى جانب الرئيسَين شي جين بينغ، وفلاديمير بوتين، مثّل تحذيرًا صريحًا لواشنطن من أن الاستياء قد يدفع نيودلهي إلى أحضان خصومها.
ويرى الخبراء أن واشنطن من جانبها، تدرك أن خسارة الهند ستكون ضربة إستراتيجية قاسية؛ فالهند لا تمثل أكبر ديمقراطية في العالم، وصاحبة اقتصاد، وتقنيات صاعدة، فحسب، بل هي أيضًا شريك أساس بكبح التمدد الصيني في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
ولهذا، يرى صنّاع القرار الأمريكي أن العودة إلى الوضع السابق لم تعُد كافية، وأن المطلوب هو بناء تحالف إستراتيجي جديد أكثر رسوخًا، يقوم على التزامات واضحة في التكنولوجيا، والدفاع، والاستخبارات، وحل التحديات العالمية.
ويقترح مراقبون 5 أعمدة مختلفة، يجب أن يقوم عليها التحالف الأمريكي-الهندي، أولها خطة عشرية للتعاون في مجالات الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات والطاقة النظيفة والفضاء، بما يعزز موقع الديمقراطيات في سباق الابتكار أمام الصين، وثانيها اتفاق اقتصادي يعالج هشاشة سلاسل الإمداد التي تعتمد على بكين، خاصة في الأدوية والمعادن الحيوية، وثالثها شراكة دفاعية متطورة، لا تقتصر على شراء الأسلحة بل تشمل التطوير والإنتاج المشتركين.
العمود الرابع يتمثل في تعزيز التعاون الاستخباراتي، خاصة في المحيط الهندي، حيث تتقاطع مصالح البلدين مع شركاء آخرين، مثل أستراليا واليابان، وأما العمود الخامس فيركز على قضايا المناخ والأمن الغذائي والصحة العامة، عبر مشاريع مشتركة يمكن أن تبدأ في مناطق مثل المحيط الهادئ، وتمتد لاحقًا.
لكن تنفيذ هذه الرؤية يواجه تحديات كبرى؛ ففي الولايات المتحدة، البيروقراطية والاضطراب السياسي الداخلي قد يبطئان الاندفاعة نحو الهند، وفي نيودلهي، فإن المخاوف من المساس بـ"الاستقلال الإستراتيجي" – وهو إرث حركة عدم الانحياز – تجعل فكرة التحالف الرسمي مثار قلق، إضافة إلى الروابط التاريخية مع روسيا في مجالي الطاقة والدفاع.
ورغم هذه العراقيل، بحسب مصادر مطّلعة، يُدرك الطرفان أن البديل سيكون أخطر؛ فبالنسبة لواشنطن، خسارة الهند ستفتح الباب أمام فراغ تستفيد منه الصين وروسيا، وبالنسبة لنيودلهي فإن الابتعاد عن الولايات المتحدة سيجعلها أكثر عرضة لضغوط بكين، ويضعف قدرتها على الاستفادة من التكنولوجيا، والاستثمارات الغربية.
وجاء في السياق أن التجارب التاريخية تشير إلى أن مثل هذه التحالفات يمكن أن تصمد رغم العواصف؛ فالعلاقة الأمريكية–اليابانية نجت من أزمات اقتصادية عاصفة في الثمانينيات، وحلف الناتو استمر رغم الخلافات المستمرة حول تقاسم الأعباء، وحتى التحالف مع كوريا الجنوبية تجاوز خلافات حادة حول الوجود العسكري الأمريكي.
لكن اليوم، يتكرر السؤال ذاته مع الهند "هل ستظل شريكًا إستراتيجيًا للولايات المتحدة، أم ينزلق المسار نحو خصومة تعيد رسم موازين القوى في النظام العالمي؟".