بدأ اسم السياسي الكردي البارز في تركيا، صلاح الدين دميرتاش، يتردد بكثرة في النقاشات الجارية في تركيا حول عملية السلام بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني التي وصلت لمرحلة متقدمة.
ويحظى دميرتاش المسجون منذ 2016 بتهم تتعلق بالارتباط بحزب العمال الكردستاني، بمكانة كبيرة بين الأكراد في تركيا التي مرَّ فيها عام كامل على بدء دعوة للسلام بين الحكومة وحزب العمال الكردستاني دون تقدم مهم.
وعند اعتقاله، كان دميرتاش يشغل منصب الرئيس المشارك لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي، المنحل حاليا، والذي حصل على 13% من الأصوات في انتخابات عام 2015، وصار أول حزب كردي يدخل البرلمان في تاريخ تركيا.
لكن السلطات أوقفته في العام التالي مع مسؤولين ونواب في الحزب بتهمة التعاون مع حزب العمال الكردستاني، والذي تصنفه أنقرة "إرهابيًا"، بينما تستهدف عملية السلام الجارية حله وإلقاء مقاتليه للسلاح.
ثم أدانت محكمة تركية، دميرتاش عام 2018 بتهمة "الدعاية الإرهابية" وقضت بسجنه أربعة أعوام وثمانية أشهر، فيما قضت محكمة أخرى عام 2024 بسجنه 42 عاما، على خلفية دوره المزعوم في احتجاجات عنيفة في 2014.
تعزيز ثقة أكراد تركيا
كشف مركز أبحاث تركي، أن عملية السلام الجارية حاليا لا يمكن اعتبارها مفاوضات بين الحكومة وحزب العمال الكردستاني فحسب.
وأضاف أنها نتيجة للتحول الاجتماعي للأكراد، والذي شهد انتقال أعداد كبيرة للأكراد من مركز تواجدهم الرئيس في شرق تركيا نحو غربها، بجانب موجة هجرة من الريف للمدينة، وارتفاع في مستوى التعليم.
ووفق الاستطلاع الذي أعدته مؤسسة "راويست" للأبحاث، فإن ثلثي الأكراد ينتظرون إطلاق سراح دميرتاش خلال الفترة الحالية لدعم عملية السلام وتعزيز الثقة فيها، بينما سيؤدي إبقاؤه معتقلًا إلى إعاقة العملية.
وقال مدير الأبحاث في "راويست"، روج إيسير غيراسون، خلال نقاش رسمي يرتبط بعملية السلام، إن دميرتاش أحد أهم الأطراف القادرة على الترويج ونشر عملية السلام بين الأكراد والأتراك، وقد دعم منذ البداية دعوة عبد الله أوجلان في العملية من خلال إلقاء السلاح وحل الحزب.
تمهيد للسلام
واعتبر الكاتب والسياسي التركي، روسين تشاكير، أن أهمية دور دميرتاش في عملية السلام الجارية، لا تقل عن أهمية دور أوجلان ذاته.
وأضاف: "أوجلان هو الشخص الوحيد الذي أقنع حزبه بإلقاء السلاح، لكن دميرتاش شخصية سياسية يمكنها جذب الأكراد وغير الأكراد على حد سواء".
وأردف تشاكير في تحليل مطول خلال بث عبر "يوتيوب"، حيث تشهد تركيا نقاشات واسعة حول السلام مع حزب العمال الكردستاني: "ما لم يُمنح دميرتاش فرصة للمشاركة، فلا ينبغي لأحد أن يقول إنه يريد أن تنتهي هذه العملية بنجاح".
وأشار تشاكير لدور دميرتاش السياسي من داخل سجنه، حيث ساهم دعمه العلني لمرشح حزب الشعب الجمهوري، أكرم إمام أوغلو في الانتخابات المحلية لعام 2019، في فوزه برئاسة بلدية إسطنبول ذات الأهمية السياسية البالغة، وفق تشاكير.
وأكد تشاكير أن نجاح عملية السلام الجارية في تركيا، يعتمد على تمهيد الطريق لشخصيات مثل دميرتاش، كونه قادرا على مناشدة الجميع في آن واحد.
مطالب معقدة
يشكل مطلب الإفراج عن دميرتاش، واحدا من المطالب المعقدة في عملية السلام أو المفاوضات بشأنها، فبجانب الأحكام القضائية الصادرة ضده، لا يزال يواجه قضايا أخرى ستنظر المحكمة إحداها في كانون الثاني/ يناير المقبل، وتتعلق بـ 6 خطابات منفصلة ألقاها في عام 2016.
وتتعلق الاتهامات في تلك القضية بـ "إهانة الدولة والحكومة والهيئات القضائية علنًا"، و"تحريض الجمهور على الكراهية والعداء"، و"التحريض علنا على ارتكاب جريمة"، و"الإشادة بالجرائم والمجرمين"، و"تنظيم مظاهرات وقيادتها والمشاركة في اجتماعات ومظاهرات غير قانونية".
لكن ذاك المطلب ليس الوحيد؛ إذ تتضمن المفاوضات والنقاشات الجارية مطلبا بالإفراج عن عبد الله أوجلان ذاته، بجانب مطالب غير شخصية تتعلق باللغة الكردية واعتبارها لغة للتعليم بجانب التركية، ومطالب بضمان مصير مقاتلي وعناصر حزب العمال الكردستاني وعودتهم لتركيا دون ملاحقة.
مرحلة حاسمة
ينظر السياسيون الأتراك للمرحلة الحالية من العملية بأنها حاسمة مع انتهاء مناقشات واسعة استمرت قرابة شهر بين لجنة تضم 51 شخصا من أعضاء البرلمان الممثلين للأحزاب السياسية، ومنظمات المجتمع المدني ورجال الأعمال وعائلات ضحايا الصراع المسلح وخبراء الصراعات الدولية ومحللي مراكز الأبحاث.
إذ يتوجب على اللجنة حاليا سن تشريعات وقوانين في صيغة اقتراح وعرضها على البرلمان الذي سيبدأ جلساته مطلع الشهر المقبل بعد نهاية العطلة الصيفية للنواب وبدء فصل تشريعي جديد وحساس يستوجب اتخاذ قرارات مصيرية وضمان رضى أطراف القضية حولها وإقناع الرأي العام التركي والكردي بها.
وحتى الآن، جرت خطوة رمزية واحدة في مبادرة السلام التي تطلق عليها أنقرة اسم "تركيا خالية من الإرهاب" وانطلقت نظريًا قبل عام، عندما ألقت مجموعة صغيرة من مقاتلي حزب العمال الكردستاني في يوليو/ تموز الماضي، أسلحتهم في محافظة السليمانية شمالي العراق، بانتظار أن تنتهي العملية بقوانين وخطوات ومراحل محددة بين أنقرة والحزب وإنهاء النزاع المسلح الذي استمر 47 عاما.