مسيّرة تستهدف سيارة على طريق بلدة مركبا جنوبي لبنان
تلقت عملية السلام بين تركيا وحزب العمال الكردستاني، دفعات قوية في الأيام القليلة الماضية، بعد تباطؤ وتعثر وشكوك حول استمرارها، وسط دعم قدمته التيارات القومية مقابل تردد الأحزاب السياسية الكبرى والمعتدلة.
وتصدرت خلافات وعقبات حول الخطوات القادمة لاستمرار عملية السلام التي تستهدف حل حزب العمال الكردستاني وإلقاء مقاتليه للسلاح، النقاشات السياسية في تركيا خلال الأسابيع الماضية، قبل أن تظهر مبادرات ودعوات اعتبرت انتقالًا لخطوة جديدة.
وتركز الخلاف على اشتراط أنقرة، إنهاء حزب العمال الكردستاني مسار إلقاء السلاح، قبل ردها بخطوة مقابلة تتعلق بالقوانين والتشريعات التي تنظم مصير مقاتلي الحزب، ومستقبل زعيمه عبدالله أوجلان.
كما تركز الخلاف على الرفض الواسع لدعوة لجنة السلام التي تضم نوابًا عن الأحزاب في البرلمان، كي تزور أوجلان في سجنه وتجري معه جلسة محادثات حول عملية السلام، إذ لا يزال يُصنَّف مع حزبه ضمن الكيانات والأشخاص "الإرهابيين".
بدد حزب العمال الكردستاني كثيرًا من المخاوف حول انهيار عملية السلام عندما أعلن أواخر الشهر الماضي، عن سحب مقاتليه من تركيا التي يخوض معها نزاعًا مسلحًا على أساس قومي منذ أكثر من أربعة عقود.
وأقام قادة عسكريون من الحزب، مراسم لاستقبال دفعة مقاتلين ومقاتلات عادوا من تركيا إلى جبل قنديل في مدينة السليمانية بإقليم كردستان العراق، وقالوا إنها خطوة وجَّه بها أوجلان المسجون منذ العام 1999 لدعم عملية السلام.
وقوبلت الخطوة بدعوة جريئة أخرى من زعيم حزب الحركة القومية التركي، دولت بهتشلي، عندما أبدى استعدادَ حزبه للمشاركة في وفد يقابل أوجلان بهدف دعم عملية السلام.
وجاء حديث بهتشلي الذي يمثل حزبه التيار القومي اليميني في تركيا، أمام كتلة حزبه في البرلمان التركي، بعد أن قوبل ذلك الطلب من جانب الأكراد باعتراضات واسعة من الأحزاب السياسية الكبرى، وبينها "العدالة والتنمية" الحاكم، و"الشعب الديمقراطي" المعارض.
لا بل بدا بهتشلي مؤيدًا لإطلاق سراح السياسي الكردي البارز، صلاح الدين ديميرتاش من سجنه، والذي يقول الجانب الكردي في محادثات السلام: إنه سيشكل دفعة قوية للعملية بالاستناد للشعبية والمكانة التي يتمتع بها في الوسط الكردي، والثقة التي سيشكلها إطلاق سراحه.
بدت الأحزاب الكبرى والتقليدية في تركيا، مترددة في دعم الخطوات الحالية من عملية السلام، إذ لا يزال لقاء أوجلان محل نقاش ورفض من قبل السياسيين، بينما يريد فريق آخر أن يواصل حزب العمال الكردستاني الانسحاب من تركيا وإلقاء السلاح قبل إقرار قوانين تنظم مستقبل أعضائه.
ويصنف حزب العدالة والتنمية الحاكم بين الأحزاب ذات المرجعيات والجذور الدينية، وكثير من أعضائه ومؤيديه كأكراد، وعلى الجانب الآخر، يمثل حزب الشعب الجمهوري، وهو أكبر أحزاب المعارضة، التيار العلماني الذي يحظى بدوره بتأييد ناخبين أكراد.
لكن كلا الحزبين لم يؤيدا بشكل صريح وعلني الدعوات والمطالب التي تتعلق بلقاء أوجلان وتخفيف القيود عنه، وإطلاق سراح صلاح الدين ديميرتاش، رغم تأييدهما لعملية السلام.
يقول المحلل والكاتب السياسي، أحمد حسن، إن اندفاع القوميين الاتراك والأكراد، وتراجع الأحزاب الإسلامية والعلمانية في مواقفها من عملية السلام، يرتبط بعدة أسباب، بينها حاجة الحزب الحاكم والرئيس أردوغان حاليًّا إلى لعبة تبادل أدوار مهمة مع حليفه في البرلمان، دولت بهتشلي.
وأضاف حسن في حديث لـ "إرم نيوز" أن تلك المناورة السياسية تتيح لأردوغان عند اللزوم، التنصل من استحقاقات مكلفة سياسيًّا في حال لم ينجح مشروع المصالحة الكردية الجاري حاليًّا.
وتقول أنقرة: إن عملية السلام الجارية بالغة الحساسية بعد عقود من الصراع المسلح الذي خلّف عشرات آلاف الضحايا، وترك انقسامًا في المجتمع؛ ما يتطلب حرصًا في كل خطوة لضمان نجاح العملية.
لا يزال الحديث في الأوساط السياسية التركية عن الخطوة القادمة التي يتوجب على أنقرة اتخاذها بعد مبادرة حزب العمال الكردستاني بسحب مقاتليه، إذ لا يزال لقاء أوجلان مع نواب البرلمان غير محسوم.
ودفع ذلك التردد، صلاح الدين ديميرتاش، لنشر رسالة عبر حسابه في "إكس"، يوم السبت، مثلت دعوة للمبادرة، ورسالة دعم جديد لعملية السلام بعد رسالة مماثلة من أوجلان نقلها نواب أكراد في البرلمان التركي، يلعبون دور الوساطة بينه وبين لجنة السلام التي تضم ممثلين عن كل الأحزاب.
وقال ديميرتاش من داخل سجنه: "إذا فعلنا الأشياء ذاتها، وفكرنا وتحدثنا بالطريقة ذاتها، كل يوم، فلن نتغير.. إذا لم يتحرك أحد خطوةً واحدةً من مكانه، فلن نتمكن من إيجاد حلول جديدة ومبتكرة".
وأضاف: "ما نعانيه هو الألم والغضب والتحيز وانعدام الثقة، نتيجة أربعين عامًا من الصراع.. إذا ركزنا على إرساء (قانون أخوّة) قائم على المساواة والعدالة والحرية والديمقراطية، والعيش معًا كوحدة واحدة، فإن ذكرى من فقدناهم ستبقى حية".
وتابع: "أخاطب جميع الأطراف والجهات الفاعلة الرئيسية في هذه العملية، الرئيس أردوغان، وزعيم حزب الحركة القومية بهتشلي، والزعيم المؤسس لحزب العمال الكردستاني أوجلان، بصفتي أخًا لكم، وبصفتي سياسيًّا يسعى إلى السلام؛ من فضلكم لا تترددوا في اتخاذ خطوات ملموسة، ولا تلتفتوا إلى ما يقوله الآخرون، وثقوا بأنفسكم، وصدقوا أن 86 مليون شخص ينتظرون السلام بفارغ الصبر".
وانطلقت أول دعوة للسلام في تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي 2024، عندما دعا بهتشلي، أوجلان لحل حزبه وإلقاء مقاتليه للسلاح والانخراط في الحياة السياسية التركية وسن تشريعات وقانين تدعم المساواة بين الأكراد والأتراك.

وقوبلت الدعوة باستجابة أوجلان الذي لبى حزبه نداءه بالفعل وأعلن حل الحزب وألقت مجموعة صغيرة من مقاتليه السلاح في مبادرة رمزية شهدتها مدينة السليمانية في كردستان العراق، لتبدأ منذ أغسطس/ آب الماضي نقاشات لجنة السلام التي يتوجب عليها وضع إطار قانوني لعملية السلام وعرضه على البرلمان.
ويعد مصير قوات سوريا الديمقراطية (قسد) إحدى أبرز العقبات في عملية السلام، حيث تطالب أنقرة أن تكون مشمولة في نداء أوجلان لأنها تعتبرها تابعة للحزب، وأن تندمج في الجيش السوري، بينما يدعو حزب العمال لفصل المسارين.