في وقت تتصاعد فيه التهديدات العالمية كالسحب السوداء فوق أوروبا، رن جرس الإنذار في أروقة البرلمان البريطاني، معلنا أن المملكة المتحدة غير مستعدة للدفاع عن أراضيها في وجه أي هجوم محتمل.
تقرير لجنة الدفاع البرلمانية، الذي صدر بعد عام كامل من التحقيقات الدقيقة، كشف واقعًا مريرًا يعود جذوره إلى سنوات من الإنفاق القليل على الدفاع واعتماد مفرط على الولايات المتحدة كحليف أمني.
ويرى خبراء أنه مع تزايد التوترات الروسية والصينية يصبح هذا التقرير بمرتبة صرخة تحذيرية، تكشف عن ثغرات أمنية قد تحول بريطانيا إلى هدف سهل في أي صراع كبير.
والتقرير، الذي نشرته صحيفة "لوفيغارو"، يُعد بمرتبة استشراف لمستقبل الجيش الملكي، يندد ببطء الحكومة في الاستجابة للتحديات المتزايدة.
من جهته، قال تان ديسي رئيس لجنة الدفاع في البرلمان البريطاني، والنائب في حزب العمال: "نحن نواجه تهديدات روسية وصينية تتسارع قوتها، لكن الحكومة تتقدم ببطء شديد"، في تصريح يعكس حجم القلق العميق.
وحث ديسي الحكومة على "الإمساك بالثور من قرونه"، مطالبًا بجعل الدفاع عن الأراضي الوطنية والمرونة أولوية قصوى، بعيدًا عن سياسة دفن الرأس في الرمال كالنعامة، على حد تعبيره.
ولندن، التي تباهت دوما بدورها كتلميذ مجتهد في حلف "الناتو" وحليف وثيق لواشنطن، تواجه الآن مرآة تكشف عن ضعفها.
ويسرد التقرير قائمة طويلة من المعوقات، على غرار نقص في التمويل يعود إلى عقود، ما أدى إلى تدهور قدرات الجيش، واعتماد يقترب من الخطر على الدعم الأمريكي في مجالات حاسمة مثل الذخيرة التقليدية وحتى الردع النووي.
ويؤكد التقرير الذي عرض في البرلمان، في عبارة قاسية مدعومة بأدلة دامغة من شهادات خبراء عسكريين ووثائق سرية أن "بريطانيا ليست مستعدة للدفاع عن نفسها ضد أي هجوم".
ويرى مراقبون أن هذا الوضع لم يأت من فراغ، فمنذ سنوات، شهدت بريطانيا تقليصًا تدريجيًا في ميزانية الدفاع، مدفوعًا بضغوط اقتصادية وأولويات داخلية، فيما يتسارع العالم نحو سباق تسلح جديد.
التقرير يشير إلى أن التهديدات الروسية في أوكرانيا، والطموحات الصينية في المحيط الهادئ، تتطلب استثمارات فورية لتحديث الأسطول البحري والقوات البرية، إلا أن الحكومة، رغم وعودها بالإصلاح، تتقدم بخطوات بطيئة.
وفي السياق، كشف التقرير عن مغبة الاعتماد الخطر على الولايات المتحدة، في توفير الغطاء الجوي والدعم اللوجستي للقوات البريطانية.
ويشير إلى أن أي تغيير في السياسة الأمريكية -سواء بسبب انتخابات أو أزمات داخلية- قد يترك لندن عارية أمام التهديدات.
وأثار التقرير موجة من الجدل داخل الأوساط السياسية والعسكرية، كما في الشارع البريطاني الذي تساءل عن مصير "الأسد البريطاني" الذي روى عنه التاريخ، فيما دعا النواب إلى زيادة فورية في الإنفاق العسكري ليصل إلى 3% من الناتج المحلي الإجمالي.
وبحسب التقرير، لم تصدر الحكومة ردا رسميا، إلا أن مصادر مقربة من وزارة الدفاع أكدت أن "المراجعة الاستراتيجية" القادمة ستتناول هذه النقاط، مع التركيز على تعزيز القدرات الذاتية.
