فجرت الضربات الأمريكية الأخيرة في نيجيريا والتي قال الرئيس ترامب إنها تستهدف مواقع لتنظيم داعش، الكثير من علامات الاستفهام من حيث توقيتها، إذ تزامنت مع أعياد الميلاد، فضلا عن طبيعة المواقع التي طالتها.
وبحسب مجلة "جون أفريك" الفرنسية، فإن أكثر ما أثار دهشة المراقبين هو الموقع الجغرافي لهذه الضربات الأمريكية، خاصة وأن التفجيرات لم تستهدف مواقع تنظيم داعش في غرب إفريقيا المعروفة والواقعة في ولاية بورنو (شمال شرق البلاد، في منطقة بحيرة تشاد)، بل تركزت في ولاية سوكوتو (شمال غرب البلاد)، على الطرف الآخر من الحدود الشمالية لنيجيريا.
وتؤكد المجلة أنه مع إعلان البيت الأبيض استهداف مواقع تابعة لداعش، نستنتج أن هذه الضربات استهدفت بالتأكيد جماعة جهادية حديثة التأسيس في المنطقة تُدعى "لاكوراوا". ومع ذلك، وخلافًا لما يزعمه ترامب، لا تُشكل هذه الجماعة تهديدًا لبقاء المسيحيين في المنطقة، إذ يُقال إنها لا تضم سوى نحو 200 مقاتل، وهو عدد ضئيل مقارنةً بقوات داعش في غرب إفريقيا أو جماعة بوكو حرام (التي تضم آلاف المقاتلين) أو العدد الهائل من "قطاع الطرق"، تلك الجماعات الإجرامية التي تنهب المجتمعات الريفية في الشمال الغربي لإثراء نفسها عن طريق النهب وطلب الفدية.
وتقول "جون أفريك"، إن هؤلاء "القطاع" هم من يستهدفون بالدرجة الأولى الأقليات المسيحية في سوكوتو، وهم وراء عمليات مروعة - مثل عملية الاختطاف الجماعي الأخيرة للمصلين في 19 نوفمبر/تشرين الثاني في كنيسة خماسية بمدينة إيروكو - بهدف أسر وطلب فدية من المصلين المجتمعين لأداء الشعائر الدينية.
وتساءل التقرير عن ما إذا كان تنظيم داعش يهدد مسيحيي نيجيريا حقًا، كما يدّعي البيت الأبيض؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل يمكن للتدخل الأمريكي حمايتهم على المدى البعيد؟.
ترى "جون أفريك"، أن محنة المسيحيين في الولايات الشمالية مثيرة للقلق بلا شك. فمنذ عام 2009، يُقدّر عدد الضحايا المسيحيين في الولايات الشمالية الاثنتي عشرة، حيث يشكلون ما يقارب 10% من إجمالي السكان، بعشرات الآلاف. وفي منطقة بحيرة تشاد، يُستهدف المسيحيون أحيانًا في هجمات إرهابية تُنظمها جماعة بوكو حرام، كما حدث في مجزرة تشيبوك في أبريل 2014، حين اختُطفت 276 تلميذة، معظمهن مسيحيات.
ومع ذلك، يتراجع تواتر الهجمات على المدنيين المسيحيين في المنطقة، لا سيما منذ عام 2021، وهو العام الذي سيطر فيه تنظيم داعش في غرب إفريقيا على جماعة بوكو حرام، وقضى على زعيمها أبو بكر شيكاو، وهو ما يعني أن الرواية التي تسوقها إدارة ترامب غير صحيحة فلم يشكل التنظيم أي خطر على المسيحيين.
وفي هذا السياق، فإن الضربات التي قررها ترامب، والتي تزعم استهداف داعش تتعارض إلى حد ما مع التطورات الأخيرة للجماعة في المنطقة: فالهجمات الرئيسة لعامي 2024-2025 تبنتها حركة شيكاو (التي يقودها بعد عام 2021 خليفته إبراهيم مامادو باكورا، الذي أُعلن عن وفاته عدة مرات دون التأكد منها بشكل كامل)، أكثر من تبنيها من قبل تنظيم داعش في غرب إفريقيا، الذي يحاول ألا يفقد دعم السكان المحليين بشكل كامل.
وشدد التقرير على أن الضربات التي شنها ترامب في 25 ديسمبر/كانون الأول في ولاية سوكوتو تبدو غير منطقية عند النظر إلى الوضع الجيوسياسي الإقليمي، لكن بالنسبة لساكن البيت الأبيض، يُعد هذا الأمر ثانويًا بلا شك: فالسيناريو الأرجح هو أن الهدف الأساسي من ضربات عيد الميلاد كان استرضاء الجناح الإنجيلي لحركة "ماغا" في وقت بدأ فيه بعض أعضائها بالتشكيك في الرئيس بسبب تعامله مع قضية إبستين.
وتؤكد المجلة، أن المراقبين يثيرون استفهامات كثيرة منها أنه إذا كان تواتر العمليات التي يتبناها تنظيم داعش آخذاً في التناقص، فما الذي يفسر استمرار الهجمات ضد المسيحيين، وخاصة في ما يسمى "الحزام الأوسط"، أي تلك الولايات الواقعة على الحدود بين الأجزاء المسلمة والمسيحية من البلاد؟ مؤكدة أنهم يرجعون ذلك إلى ملكية الأرض، أكثر من الدين، فهي القضية الأساسية في الصدامات الدينية في هذه المناطق، حيث يتقاتل رعاة الفولاني المسلمون الرحل، كما هو الحال في ولاية بلاتو، على أراضٍ يملكها مزارعون مسيحيون مستقرون، معظمهم من اليوروبا، وفي مارس وأبريل 2025، قُتل نحو مئة مزارع مسيحي في ولاية بلاتو على يد رعاة الفولاني. وفي ولاية بينو المجاورة، قُتل مزارعون مسيحيون لأسباب مماثلة في 24 و26 مايو 2025.
وإلى جانب النزاعات على الأراضي، يقع المزارعون المسيحيون، شأنهم شأن السكان المسلمين، ضحايا لقطاع الطرق الذين ينهبون المجتمعات الريفية الأقل حماية، بغض النظر عن الدين. يستغل هؤلاء قطاع الطرق انهيار الدولة النيجيرية، التي يرزح جيشها تحت وطأة تهديدات عديدة، تهديدات الانفصال في الجنوب الشرقي، حيث يهدد متمردو الإيغبو بحمل السلاح مجدداً ضد الدولة في منطقة بيافرا؛ والقرصنة على طول الساحل؛ والمتشددين في منطقة بحيرة تشاد.
ويقول التقرير إن هناك من يثير المخاوف من عواقب الضربات التي شنها الجيش الأمريكي في نيجيريا، فبدلاً من أن تُوقف هذه الضربات العنف ضد المدنيين، قد يكون لها أثر عكسي.
ووفقا لـ"جون أفريك"، فقد أبرزت الغارات الأمريكية عجز الدولة النيجيرية عن السيطرة على أراضيها، ووضعت الحكومة تحت ضغط كبير. ومن المفارقات، أنها قد تُحرض "قطاع الطرق" على استهداف المسيحيين بشكل أكبر، الذين تزداد فديتهم مع مطالبة واشنطن نيجيريا بضمان سلامتهم.
وفي نظر العديد من المسلمين في الشمال، دمرت الضربات الأمريكية مصداقية الدولة النيجيرية تماماً، لكن الأسوأ من ذلك، أن ضعف الدولة النيجيرية قد يدفع السكان المسلمين إلى تنظيم أنفسهم في ميليشيات للدفاع عن النفس لتعويض أوجه قصور الدولة. وفي هذا السياق تحديدًا، تتطور الجماعات الجهادية في ولاية سوكوتو (كانت جماعة لاكوراوا في البداية أشبه بميليشيا للدفاع عن النفس مؤلفة من جنود من مالي أو النيجر، بهدف حماية السكان المسلمين من "قطاع الطرق"). ويرى كثير من المسلمين في الشمال أن الغارات الجوية الأمريكية قد قضت تمامًا على مصداقية الدولة النيجيرية التي تُساوى ظلمًا بالجماعات العرقية المسيحية في الجنوب، وتُتهم بالتخلي عن المسلمين في الشمال.