logo
العالم
خاص

ما وراء الضربة الأمريكية في نيجيريا.. حرب عن بُعد أم إعادة تموضع إفريقي؟

مصابون جراء انفجار في ولاية بورنو بنيجيرياالمصدر: رويترز

جاءت الضربة الأمريكية الأخيرة ضد مواقع تابعة لتنظيم داعش في شمال-غرب نيجيريا كخطوة سياسية–عسكرية محسوبة، مرتبطة بسياق واضح سبقها ولم تُخفِه واشنطن.

فبحسب مصدر دبلوماسي أمريكي مطّلع، فإن القرار بالتدخل الأخير جاء بعد مرحلة من التوتر العلني في الخطاب، أعقبته عملية إعادة ضبط هادئة للعلاقة مع أبوجا، هدفت إلى نقل الملف من مستوى السجال السياسي إلى مستوى التنفيذ الأمني المحدود. 

كيف أعادت واشنطن ضبط القرار؟

ويشير المصدر خلال حديث خاص لـ"إرم نيوز" إلى أن الإدارة الأمريكية تعاملت مع الضربة باعتبارها إجراءً ضروريًا لإنهاء حالة مفتوحة، وليس كمقدمة لانخراط أوسع، مع الحرص على إبقاء التدخل ضمن سقف يمكن احتواؤه سياسيًا في نيجيريا وإقليميًا في غرب إفريقيا، في مرحلة تشهد فيها واشنطن إعادة ترتيب أدوات حضورها في القارة بعيدًا عن أنماط التدخل الثقيلة.

وأضاف أن التصريحات السابقة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول الاعتداءات على المسيحيين في نيجيريا أدّت وظيفتها داخليًا، لكنها في المقابل خلقت حساسية مباشرة مع أبوجا، التي رفضت توصيف المشهد الأمني بصيغة دينية.

هذا التباين كاد يتحول إلى عبء سياسي على العلاقة الثنائية، ما استدعى تدخلًا دبلوماسيًا لإعادة ضبط الإيقاع قبل الانتقال إلى الخطوة العملية الأخير.

مصابون جراء انفجار في ولاية بورنو بنيجيريا

ولفت إلى أن النقاش في واشنطن كان يتركز على كيفية احتواء التداعيات السياسية للتصريحات العلنية التي سبقت الضربة، أكثر مما تركز على توسيع نطاق التدخل نفسه.

فالمسألة، كما نُقلت في تلك الدوائر، لم تكن مرتبطة باتخاذ قرار جديد قائم على التوسع في الحضور الميداني.

من هنا، جرى التعامل مع العملية كخطوة تنفيذية محدودة، تُنهي مرحلة من التوتر السياسي من دون أن تفرض على واشنطن الدخول في خطاب أخلاقي أو ديني يصعب التحكم بتداعياته لاحقًا.

هذا التوجّه انعكس بوضوح في شكل الضربة وحدودها، حيث جاء اختيار الأهداف محصورًا، والتوقيت جرى ضبطه بعناية. الاعتماد على القيادة الأمريكية في إفريقيا كان جزءًا من هذا الإخراج، بما ينسجم مع نمط تدخل يفضّل الحسم السريع على التورّط المتدرّج، ويُبقي القرار في مستواه التنفيذي لا السياسي.

أخبار ذات علاقة

مقاتلة أمريكية

نيجيريا تعلق على الضربة العسكرية الأمريكية ضد داعش داخل أراضيها

 

تثبيت القدرة على الفعل

في هذا السياق، حرصت واشنطن على إبقاء التنسيق مع الجانب النيجيري بعيدًا عن التداول الإعلامي.

فبحسب المصدر، كان واضحًا أن أي إظهار للخلاف أو فرض للأمر الواقع سيضعف قدرة الحكومة النيجيرية على إدارة المشهد الداخلي، ويمنح الفاعلين المسلحين هامشًا إضافيًا للمناورة. لذلك جرى تنفيذ الضربة من دون مرافقة سياسية صاخبة، ومن دون محاولة استثمارها في إعادة تعريف العلاقة أو شروط التعاون الأمني.

لذا وبحسب المصدر، فإن الطريقة التي أُدير بها القرار تعكس توجهًا أوسع في مقاربة الولايات المتحدة لملفات إفريقية حساسة، حيث باتت التدخلات تُصاغ على أساس تقليل الانكشاف دون أي تعظيم للحضور. 

المصدر الدبلوماسي يلفت أيضًا إلى أن هذا النهج لا يقوم على افتراض استقرار الأوضاع، وإنما على إدراك أن تدهورها يجعل أي انخراط واسع عبئًا سياسيًا يصعب احتواؤه، لذلك تُستخدم القوة عند الضرورة كأداة ضبط، وليس كوسيلة لإعادة تشكيل الواقع السياسي أو الأمني.

أخبار ذات علاقة

نيجيريا

بين خطاب الاضطهاد وكسر الممرات.. الهدف الحقيقي للضربة الأمريكية في نيجيريا

بهذا المعنى، فإن الضربة العسكرية الأخيرة لا تحمل دلالة تصعيدية، بقدر ما تأتي كخطوة محسوبة أعادت الملف إلى مستوى يمكن التحكم به.

وبحسب المصدر، فإن واشنطن استخدمت القوة هنا لتصفية أي توتر سياسي، ولتثبيت قدرتها على الفعل من دون أن تتحول إلى طرف مباشر في تعقيدات الداخل النيجيري.

أخبار ذات علاقة

خلال استهداف تنظيم داعش في نيجيريا

وزارة الحرب تعرض لقطات من عملية واشنطن ضد داعش في نيجيريا (فيديو)

 

تدخل انتقائي أمريكي

من جهته يرى مايكل أندروز، الباحث الأمريكي في شؤون السياسة الخارجية، أن الضربة في نيجيريا تعبّر عن توجّه بات مستقرًا داخل واشنطن في التعامل مع ملفات غرب إفريقيا، يقوم على التدخل الانتقائي وليس على بناء مسارات طويلة الأمد. 

ويشرح خلال حديثه لـ"إرم نيوز" أن الإدارة الأمريكية توصّلت إلى قناعة مفادها أن الإبقاء على القدرة على الفعل أهم من توسيع نطاق الحضور، خصوصًا في بيئات تتسم بتعقيد داخلي وحساسية سيادية عالية. 

من هذا المنظور، يصف أندروز الضربة بأنها رسالة عملية مفادها أن واشنطن لن تترك فراغًا أمنيًا يسمح بتمدّد جماعات مصنّفة إرهابية، لكنها في الوقت نفسه لا تسعى إلى إعادة إنتاج نماذج تدخل أثبتت كلفتها السياسية والعسكرية. 

ويضيف أن ما سيلي هذه الخطوة لن يكون سلسلة عمليات متلاحقة، وإنما إدارة أكثر هدوءًا للملف النيجيري ضمن مقاربة أوسع لغرب إفريقيا، تعتمد على الشراكات الأمنية المحدودة، والدعم الاستخباري، والتدخل عند الضرورة فقط، من دون تحويل المنطقة إلى أولوية تستنزف القرار الأمريكي.

الضربة كدعم أمني منضبط

أما سليمان عبدو ساني، المحلّل النيجيري المختص في الشأن السياسي والأمني، فيعتبر خلال حديثه لـ"إرم نيوز" أن الأهمية الحقيقية للضربة تكمن في انعكاسها الداخلي على نيجيريا أكثر مما تكمن في بعدها العسكري المباشر. 

وبرأيه، فإن الصيغة التي نُفّذت بها العملية سمحت للحكومة النيجيرية بالتعامل معها كدعم أمني محدود، وليس كتدخل يفرض سردية أو يضعف شرعية الدولة.

أخبار ذات علاقة

مقاتلات أمريكية تنطلق لتنفيذ غارات جوية

الجيش الأمريكي يكشف تفاصيل عمليته ضد داعش في نيجيريا (فيديو)

وأشار إلى أن تجنّب الخطاب الديني في لحظة التنفيذ يساهم في احتواء أي توترات محتملة، ويمنع الجماعات المسلحة من استثمار الضربة سياسيًا أو مجتمعيًا. 

ويضيف أن هذه الخطوة قد تمنح أبوجا مساحة إضافية لإعادة تنظيم مقاربتها الأمنية، مع إدراك أوضح لحدود الدعم الخارجي، ما قد يدفع إلى تركيز أكبر على المسؤولية المحلية في إدارة الصراع، بدل التعويل على تدخلات خارجية مفتوحة.

وبرأي ساني، فإن الرسالة الأساسية التي خرجت بها نيجيريا من هذه الضربة هي أن الشراكة مع واشنطن يمكن أن تستمر ضمن حدود منضبطة، من دون أن تتحول إلى عامل ضغط داخلي أو مصدر انقسام سياسي.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC