حذّر تقرير لمجلة "فورن أفيرز" من تكرار سيناريو جورجيا، العام 2008، في أوكرانيا، مشيرًا إلى أنه بعد أشهر من فشل جهود واشنطن في جلب روسيا إلى طاولة المفاوضات، قد يبدو التخطيط لما بعد الحرب في أوكرانيا مخالفًا للمنطق.
وقالت المجلة إن جورجيا كانت في العام 2008، كما هو الحال في أوكرانيا اليوم، دولة ديمقراطية موالية للغرب، تسير بخطى بطيئة وثابتة نحو الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وحلف شمال الأطلسي (الناتو).
وأضافت، لكن ما حدث بعد الحرب تمثّل في فشل الولايات المتحدة، وأوروبا، في تقديم ضمانات أمنية لجورجيا أو في تسريع انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي والناتو؛ ونتيجة لذلك، ظلّت جورجيا عرضة للضمّ التدريجي، والتلاعب السياسي من قبل موسكو.
اليوم، أضحت الدولة التي كانت مفعمة بالأمل أبعد ما تكون عن الغرب، وأكثر عرضة لنفوذ الكرملين الخبيث من أي وقت مضى منذ انهيار الاتحاد السوفييتي في العام 1991. ومن الحكمة أن تدرس واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون مثال جورجيا لفهم السبب في أن وضع خطة لما بعد الحرب في أوكرانيا أمرٌ حيوي للغاية.
قصة تحذيرية
أوضحت المجلة أن اتفاق العام 2008، بالنسبة للقادة الغربيين، كان وسيلة لرأب الصدع مع روسيا؛ وفي غضون أشهر، استأنفت أوروبا علاقاتها الرسمية مع موسكو وأعطت الأولوية للطاقة والتجارة: ألمانيا عبر اتفاقية "نورد ستريم"، وفرنسا عبر صفقة سفينة "ميسترال" الحربية بقيمة 1.3 مليار دولار، في خطوة اعتُبرت مكافأة للمعتدي بدلًا من معاقبته.
وفي العام 2009، أطلقت إدارة أوباما عملية "إعادة ضبط العلاقات"، بهدف استقرار العلاقات مع موسكو من خلال دبلوماسية عالية المخاطر، وضبط الأسلحة، والتعاون بشأن إيران، والتكامل الاقتصادي. وفي مقابل تعاون محدود وقصير الأمد، اكتسبت روسيا شرعية ونفوذًا.
وفي السنوات التالية، تخلّت موسكو فعليًا عن اتفاقيات ضبط الأسلحة، مستغلةً عضويتها في منظمة التجارة العالمية لتعزيز الاقتصاد الروسي. وما وصفته واشنطن وبروكسل بالبراغماتية شجّع الكرملين، ومهّد الطريق لعدوانه المتسلسل على أوكرانيا.
أحد الأمور التي لم تحظَ باهتمام كافٍ، بحسب المجلة، هو فشل الحكومات الغربية في مساعدة جورجيا على بناء الردع والمرونة المؤسسية. ورغم الدعم الخطابي القوي لسيادة جورجيا، لم تُبذل أي جهود جدية لتعزيز التعاون الأمني مع تبليسي.
فلم يُنقل إليها أي قدرات دفاعية، ولا خُطط لعضوية الناتو، ولا ضمانات أمنية. تُركت جورجيا مدعومة سياسيًا، لكنها مكشوفة إستراتيجيًا.
ومن وجهة نظر الكرملين، لم يكن وقف إطلاق النار خطوة نحو السلام، بل هدنة تكتيكية. إذ سمح غياب الدعم الغربي لروسيا بتوسيع وجودها تدريجيًا، من خلال إقامة الأسوار، وإعادة رسم الحدود، والتوغّل في الأراضي الجورجية.
ومع الوقت، تحوّل هجوم موسكو من الجبهة العسكرية إلى السياسية، عبر هجمات إلكترونية وتجسّس وحملات تضليل استهدفت تبليسي.
وفي العام 2012، بدأت موسكو بدعم بيدزينا إيفانشفيلي، الملياردير الذي تربطه علاقات مالية وثيقة بروسيا، في حملته للسيطرة على المؤسسات السياسية الجورجية. وعلى مدى 12 عامًا، حكم حزبه "الحلم الجورجي" البلاد بقبضة حديدية متزايدة، وتحولت جورجيا إلى دولة استبدادية متحالفة مع الكرملين.
حرب أوكرانيا.. نقلة نوعية
وتقول المجلة إنه "إذا كانت هناك أي أوهام بأن روسيا لن تُقدم على عمل عدواني مماثل، فقد تبددت مع هجومها الشامل على أوكرانيا، في فبراير/شباط 2022. هذه المرة"، مضيفة أنه لأول مرة منذ عقود، اضطرت واشنطن إلى مواجهة موسكو بوسائل عسكرية واقتصادية وسياسية مستدامة.
ورغم العقوبات الشاملة والدعم العسكري بمليارات الدولارات لأوكرانيا، بقي الرد الأطلسي مركزًا على مواجهة تحركات موسكو، أكثر من تركيزه على صياغة التوجه الإستراتيجي للصراع.
بعد 3 سنوات من الحرب، كشفت جهود الإدارة الأمريكية لإجراء محادثات لوقف إطلاق النار عن حقيقة مقلقة، وهي أن واشنطن وبروكسل لم تُحدّدا قطّ نهاية مُرضية للحرب.
يكمن الخطر الأكبر، بحسب المجلة، في الدخول بمفاوضات مع روسيا لإنهاء الحرب من دون أهداف واضحة، أو إرادة سياسية موحّدة، أو خطط بديلة.
وخلُصت المجلة إلى أن وقف إطلاق النار لا يمكن أن يُعد جسرًا نحو السلام ما لم يكن جزءًا من إستراتيجية أمنية أوسع على المدى الطويل، مدعومة بردع موثوق، واستعداد للتحرك في حال فشلت الدبلوماسية.