ربما يكون أكثر الردود قسوة على ما ترتب من نتائج من قمة ألاسكا بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين ذلك الانطباع الذي أعلنه تشاك شومر، زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ الأمريكي، على منصة إكس.
دوّن شومر يقول: "ترامب بسط السجادة الحمراء للطاغية بوتين ومنحه الشرعية ومنصة عالمية وإفلاتًا كاملًا من المساءلة دون أن يحصل على أي مقابل.. مخاوفنا هي أن ما حدث لم يكن دبلوماسية، بل كان مجرد مسرحية".
هذا جزء من العاصفة التي أثيرت هنا بالعاصمة واشنطن في الساعات الماضية حتى لو كان الوقت متأخرًا من نهاية الأسبوع الذي ملأته أخبار القمة واختلاف التوقعات بين الأمريكيين بشأن إمكانية التوصل إلى نتائج جيدة من خلالها.
ووفق النزر اليسير من المعلومات المتاحة أمام الأمريكيين عن فحوى المحادثات التي أجريت في الغرف المغلقة، اتضح سريعًا أن الرئيس ترامب وجه الدعوة للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للحضور إلى البيت الأبيض الاثنين، وهي دعوة سريعة وفي توقيت قياسي.
قبل ذلك أشار الرئيس ترامب إلى أن هناك مشروع اتفاق، وأن نصيحته للرئيس الأوكراني هي القبول بما سوف يعرض عليه هذا الاثنين.
التخوف بين الديمقراطيين بشأن المبادرة السريعة من الرئيس ترامب أن يكون التوجه الحالي هو ممارسة المزيد من الضغوط على زيلينسكي، مقابل تخفيف الضغوط على روسيا.
وتقول التسريبات المتوفرة إن اقتراحًا نوقش خلال المباحثات يقضي بتفعيل المادة الخامسة من معاهدة حلف شمال الأطلسي التي تقول إن الاعتداء على عضو واحد هو اعتداء على جميع أعضاء الحلف بما في ذلك الولايات المتحدة، وهي المادة التي لم يتم تفعليها منذ تأسيس الحلف إلا مرة واحدة عندما تعرضت الولايات المتحدة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001.
في مقابل تفعيل هذه المادة من جانب الأوروبيين في العلاقة مع أوكرانيا، سيكون على زيلينسكي القبول ببقاء القوات الروسية في أجزاء من الأراضي التي باتت تحت سيطرتها، على أن يكون الاتفاق واضحًا في وجه روسيا، أي أن أي نشاط خارج أراضي الاتفاق سيجعلها في مواجهة مباشرة مع الحلف والولايات المتحدة.
هذه الصيغة المقترحة هي الأفضل من وجهة نظر فريق ترامب لتحقيق الطلب الأوكراني بالحصول على ضمانات أمنية في وجه روسيا كشرط من شروط الذهاب إلى أي اتفاق محتمل مع موسكو.
من حيث المبدأ، يرفض الأوكرانيون ومن ورائهم الأوروبيون أي تسوية تكون على حساب أوكرانيا، زيلينسكي يرفض التنازل عن أي أراض أوكرانية لصالح روسيا، وهذه هي العقدة الأكبر التي ستواجه اجتماع زيلينسكي وترامب الاثنين، وفق مقربين من فريق ترامب المفاوض.
الأمر الآخر الذي كان لافتًا في التسريبات الأولى أن المقترح الذي دافع عنه الرئيس ترامب في كل الوقت، وهو الذهاب إلى وقف لإطلاق النار كمرحلة أولى ومن هناك التحضير لاتفاق دائم وشامل في مرحلة لاحقة، لم يعد مطروحًا من قبل ترامب بعد قمة ألاسكا.
يقول ترامب عن ذلك إنه يرى فرصة للذهاب سريعًا إلى اتفاق سلام بين الطرفين دون الحاجة إلى المرور عبر وقف لإطلاق النار، وهذا تحول جذري في مواقفه المعلنة لشهور.
ويعتقد الديمقراطيون أن هذا المقترح سوف يوفر لبوتين فرصة الاستمرار في عملياته العسكرية على الأرض طالما بات يشعر الآن أنه أصبح في وضع أفضل دبلوماسيًا بعد المشي على السجادة الحمراء في الأراضي الأمريكية ومشاركة الرئيس ترامب سيارته الرئاسية.
وهذه عقبة أخرى ستشكل واحدًا من محاور الحوار المعقدة التي ستجمع ترامب وزيلينسكي في لقائهما القادم.
المقربون من الرئيس ترامب، من قيادات الحزب الجمهوري، كشفوا لـ"إرم نيوز" أن الفكرة الغالبة بين المسؤولين الأمريكيين الثلاثة الكبار الذين رافقوا ترامب في اجتماعه مع بوتين أن فكرة التريث في إعلان أي نتائج عن القمة كانت الأفضل لموقف الرئيس ترامب إلى حين إجراء مشاورات مع الحلفاء الأوروبيين والرئيس الأوكراني.
وما يؤكد هذا الخيار المقصود هو أن الرئيس ترامب كشف عن بعض تفاصيل ما يسميه هؤلاء بملامح الاتفاق في رحلة العودة لطائرته الرئاسية من ألاسكا إلى العاصمة واشنطن وإجرائه سلسلة اتصالات مع القادة الأوروبيين من على متن الطائرة.
الأمر الجديد في استراتيجية الرئيس ترامب هو إعلانه شخصيًا أنه لا يخطط في الوقت الحالي لتفعيل فكرة العقوبات الاقتصادية ضد موسكو بأي صورة من الصور، وهو يبرر تأجيل هذا الخيار بقوله إن اجتماع ألاسكا كان جيدًا، وأنه لا يزال يجري اتصالاته في الوقت الحاضر وسيلتقي زيلينسكي مطلع الأسبوع وسيتم التباحث في موقف أوكراني مدعوم أمريكيًا في اجتماع مطلع الأسبوع، كما أنه يحتاج إلى مزيد من الاتصالات في الفترة المقبلة.
المقربون من إدارة ترامب كشفوا لـ"إرم نيوز" أن زيارة البيت الأبيض في الأيام القليلة القادمة لن تكون مقتصرة على الرئيس الأوكراني، وإنما هناك مناقشات أولية لترتيب زيارات لمسؤولين أوروبيين لمزيد من النقاشات من أجل توحيد الموقف بين الرئيس ترامب والحلفاء الأوروبيين قبل قرار الإدارة بترتيب اجتماع موازٍ هذه المرة يجمع بين الرئيسين بوتين وزيلينسكي إذا مضى اجتماع الاثنين بصورة جيدة.
هناك عقبة واحدة يراها المقربون من فريق ترامب، وهي تلك المتعلقة بالتاريخ، عندما يستذكرون أن الأوكرانيين تنازلوا عن ترسانة بلادهم النووية عام 1994 مقابل ضمانات أمنية أوروبية وأمريكية، لكنهم بعد أقل من عقدين وجدوا أنفسهم في مواجهة حرب جديدة مع روسيا، ولذلك يقول هؤلاء إن التاريخ لا يخدم المقترح الأمريكي مطلقًا أمام سابقة الضمانات الأمنية الأوروبية الأمريكية.