اعتبر محللون سياسيون فرنسيون، متخصصون في الشأن الأفريقي أن مستقبل الدور الفرنسي في أفريقيا يحتاج إلى إعادة نظر إستراتيجية، بعد الأزمة السياسية الأخيرة بين فرنسا والنيجر مع تزايد المعارضة الشعبية والرسمية للوجود الفرنسي في دول الساحل، واتهامات للنظام في النيجر لباريس بزعزعة استقراره.
وتجد الاستخبارات الفرنسية نفسها وسط موجة من التوترات المتزايدة بعد اتهامات المجلس العسكري في النيجر، بقيادة عبد الرحمن تياني، لفرنسا بمحاولة الإطاحة به.
وبينما تنفي باريس هذه الادعاءات، تظهر قلقًا ملحوظًا حيال تسريبات مزعومة لبيانات حساسة، تم نشرها من قبل النيجر، يعتقد أنها حصلت عليها عبر تسريبات من داخل أجهزة الاستخبارات الفرنسية.
ومن جانبها، قالت الباحثة السياسية الفرنسية المتخصصة في الشأن الأفريقي بجامعة ليل، سونيا لو جوريليك لـ"إرم نيوز"، إن التوترات المتصاعدة بين فرنسا والنيجر تشير إلى تغير كبير في نظرة دول الساحل للدور الفرنسي.
وتعتبر لو جوريليك أن الاتهامات المتبادلة، خصوصاً المتعلقة بتسريب معلومات استخباراتية، تعكس حالة من عدم الثقة المتزايدة تجاه فرنسا داخل النيجر، ما يزيد من تعقيد السياسة الفرنسية في المنطقة.
وأشارت إلى أن فرنسا تواجه تحديات متنامية في الحفاظ على نفوذها في ظل التحولات السياسية في النيجر والدول المجاورة، مما قد يدفعها إلى إعادة تقييم إستراتيجية وجودها العسكري والدبلوماسي في الساحل
وأوضحت أن هذه الاتهامات تأتي وسط تصاعد التوترات بين الجانبين منذ انقلاب يوليو/تموز 2023، حين أطاح المجلس العسكري بالحكومة السابقة.
ورأت أن الاتهامات تتصاعد من جانب النيجر تجاه فرنسا، بما في ذلك مزاعم باستخدام فرنسا لرموز استخباراتية سرية ضمن مخططات انقلابية، كشفتها إذاعة وتلفزيون النيجر (RTN) في سبتمبر الماضي.
الرموز المستخدمة من قبل الاستخبارات
وتشير التقارير إلى أن النيجر ربما تكون قد استندت إلى وثائق استخباراتية فرنسية سرية لدعم مزاعمها، وهو ما أثار قلقًا داخليًا في باريس حول مدى الأمان داخل أجهزتها الأمنية ومدى صدقية شركائها في المنطقة.
وشهدت العلاقات بين البلدين تصعيدًا خطيرًا شمل طرد السفير الفرنسي من النيجر ووقف التعاون العسكري بين الجانبين.
ووفقاً لمصادر مطلعة، فإن حكومة النيجر اعتمدت على وثائق استخباراتية مسربة لتدعم اتهاماتها تجاه فرنسا بالتدخل في شؤونها السيادية، وهذا ما ينفيه المسؤولون الفرنسيون جملةً وتفصيلاً.
كما تضمنت المعلومات رموزاً وبيانات استخباراتية يُزعم أن فرنسا استخدمتها، مما أثار قلقاً بالغاً في باريس.
وبدوره، قال مارك أنطوان بيروز دو مونكلو، المتخصص في مجال النزاعات المسلحة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بمعهد أبحاث السلام في أوسلو لـ"إرم نيوز" إن فرنسا تجد نفسها في وضع صعب، حيث تتعرض لانتقادات حادة من الحكومات العسكرية في الساحل، مثل حكومة النيجر.
وأضاف إن هذه الاتهامات يمكن أن تؤدي إلى تقويض أي محاولة فرنسية لاستعادة نفوذها السياسي في المنطقة، خاصة بعد انسحاب قواتها من مالي وبوركينا فاسو.
ويعتقد دو مونكلو أن التصعيد المستمر مع النيجر قد يدفع فرنسا إلى تبني مقاربة أقل تدخلاً، ويؤكد أن الشراكات مع الدول الأفريقية يجب أن تتكيف مع التغيرات السياسية والاجتماعية التي تشهدها المنطقة.
أما عن التدهور في العلاقات، أوضح الباحث السياسي الفرنسي أن الأمر لا يقتصر على الجانب العسكري فقط؛ إذ شهدت الفترة الأخيرة طرد السفير الفرنسي وإيقاف التعاون العسكري بين البلدين، مما يعكس مستوى التوتر بين الطرفين.
وتتابع فرنسا عن كثب هذه الاتهامات، وخاصة المخاطر الأمنية التي قد تترتب على تسريب بيانات حساسة من داخل جهاز الاستخبارات الفرنسي.
وفي أغسطس/أب الماضي، جدد رئيس النيجر الانتقالي، عبد الرحمن تياني، اتهاماته لفرنسا بمحاولة زعزعة استقرار بلاده ودعم الإرهاب في غرب أفريقيا. جاءت تصريحاته خلال مقابلة تلفزيونية بمناسبة العيد الوطني للنيجر.
وأشار تياني إلى أن "فرنسا تسعى لزعزعة استقرار النيجر عبر إعادة تموضع عناصر من جهاز الاستخبارات الفرنسية (DGSE) في كل من بنين ونيجيريا بعد طردهم من النيجر"، مؤكداً بشكل قاطع أن هؤلاء العملاء الفرنسيين تعاونوا مع منظمات إرهابية في المنطقة، مثل بوكو حرام وتنظيم "داعش" الإرهابي في غرب أفريقيا.
وأوضح الرئيس النيجري أن "اللقاءات الأولى بين العملاء الفرنسيين والإرهابيين تمت في 25 و26 أكتوبر 2023، حيث قام الفرنسيون بتشجيع الجماعات الإرهابية على شن حرب مفتوحة ضد الدولة النيجيرية الجديدة التي طالبت القوات الفرنسية بمغادرة أراضيها".
كما أشار إلى أن "فرنسا زودت الإرهابيين بأسلحة عسكرية، بما في ذلك عبر طائرات هليكوبتر، وحرصت على إزالة الأرقام التسلسلية للأسلحة لمنع تعقب مصدرها".
وأكد تياني أن "النيجر تراقب هذه الأنشطة الفرنسية عن كثب"، متوعدًا بـ"الرد في الوقت المناسب".