رئيس الموساد يعتبر أن على إسرائيل "ضمان" عدم استئناف إيران لبرنامجها النووي
في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية وتراجع أطر ضبط التسلح الدولية، دخلت الولايات المتحدة وروسيا والصين مرحلة جديدة من سباق التحديث النووي، تعيد العالم إلى أجواء الحرب الباردة ولكن بأدوات أكثر تطورًا وخطورة.
وجاءت التجارب الصاروخية المتزامنة للقوى الثلاث خلال الفترة الماضية لتؤكد أن سباق التسلح النووي لم يعد احتمالًا قائمًا، بل واقعًا يتشكل بسرعة، وفق مجلة "نيوزويك".
الاختبار الأمريكي
أجرت الولايات المتحدة، مؤخرًا، تجربة لإطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات من طراز "مينيوتمان 3"، غير مسلح، في خطوة قالت وزارة الدفاع الأمريكية إنها تهدف إلى اختبار "الجاهزية والموثوقية والدقة" ضمن برنامج الضربة العالمية.
الصاروخ، الذي دخل الخدمة منذ العام 1970، يمثل العمود الفقري للترسانة النووية الأمريكية البرية، وهو السلاح الوحيد من فئة الصواريخ الباليستية العابرة للقارات الذي تعتمد عليه واشنطن حاليًا، في مقابل تنوع المنظومات الروسية والصينية.
ويأتي هذا الاختبار ضمن سلسلة عمليات تقييم دورية، سبقها إطلاقان مماثلان في فبراير ومايو الماضيين، تؤكد واشنطن من خلالها أن رادعها النووي لا يزال "فعالًا وآمنًا وموثوقًا"، في ظل سباق التسلح الذي يزداد حدة بين القوى الكبرى.
معادلة القوى النووية
وفق تقديرات اتحاد العلماء الأمريكيين، تمتلك الولايات المتحدة نحو 3700 رأس نووي قابل للاستخدام العملياتي، مقابل 4309 رؤوس لدى روسيا و600 لدى الصين.
لكن الفارق لا يكمن في الأعداد فقط، بل في طبيعة الانتشار والتطوير؛ حيث تمتلك واشنطن نحو 400 صاروخ باليستي عابر للقارات، بينما تملك موسكو 333 صاروخًا، وبكين 462 صاروخًا، أغلبها من طرازات حديثة مثل DF-41 وDF-31AG.
وبنَت القوى الثلاث ما يُعرف بـ"الثالوث النووي"، الذي يضم: الصواريخ البرية، والغواصات النووية المسلحة، والقاذفات الإستراتيجية، لضمان القدرة على الرد بعد الضربة الأولى والحفاظ على توازن الردع.
غير أن واشنطن تبدي قلقًا متزايدًا من وتيرة تحديث الترسانة الصينية. وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعليقًا على التجربة الأخيرة: "لقد أعدنا تصميم قدراتنا النووية، نحن القوة الأولى عالميًا... روسيا في المرتبة الثانية، والصين في الثالثة، لكنها قد تلحق بنا خلال 4 أو 5 سنوات".
روسيا توسع عملية الردع
في المقابل، أجرت روسيا، في أكتوبر، مناورات نووية واسعة النطاق أشرف عليها الرئيس فلاديمير بوتين شخصيًا، شملت إطلاق صاروخ "يارس" الباليستي العابر للقارات من قاعدة بليسيتسك، وصاروخ "سينيفا" من غواصة، إلى جانب صواريخ كروز من القاذفات الإستراتيجية.
تهدف هذه المناورات، بحسب الكرملين، إلى تقييم جاهزية منظومة القيادة والسيطرة النووية في مواجهة ما تصفه موسكو بـ"التهديدات الغربية المتزايدة".
كما استعرضت روسيا، مؤخرًا، تجربة طوربيد بوسيدون النووي، الذي يُعرف إعلاميًا باسم "سلاح يوم القيامة"، القادر نظريًا على إحداث موجات تسونامي إشعاعية مدمرة.
ويبدو أن موسكو، عبر هذه الاختبارات، تسعى إلى إرسال رسالة مزدوجة: الردع في مواجهة واشنطن من جهة، وطمأنة الداخل الروسي إلى استمرار تفوقها النووي من جهة أخرى.
صعود الصين الهادئ
أما الصين، فقد أجرت، في سبتمبر 2024، أول تجربة صاروخية عابرة للقارات منذ الثمانينيات، عندما أطلقت صاروخًا من طراز DF-31AG يحمل رأسًا حربيا وهميًا نحو المياه الدولية في المحيط الهادئ.
وأعلنت وزارة الدفاع الصينية أن الاختبار "تدريب روتيني مشروع"، مؤكدة التزامها بسياسة "عدم البدء باستخدام السلاح النووي" والتركيز على الدفاع الذاتي.
لكن خبراء يرون أن الصين تعمل بهدوء على توسيع وتحديث ترسانتها النووية ضمن إستراتيجية تهدف إلى ضمان الردع في مواجهة الولايات المتحدة، خاصة مع تصاعد التوترات حول تايوان وبحر الصين الجنوبي.
نهاية حقبة الحد من التسلح
يقول الباحث هانز كريستنسن من معهد ستوكهولم لأبحاث السلام إن "عصر تقليص الترسانات النووية الذي بدأ بعد الحرب الباردة يقترب من نهايته".
فبدلًا من تخفيض الأسلحة، تتجه القوى الكبرى نحو تحديث شامل يشمل الصواريخ والرؤوس الحربية وأنظمة الإطلاق. كما أن انهيار اتفاقيات رئيسة مثل معاهدة "نيو ستارت"، وغياب مفاوضات جديدة يفتح الباب أمام سباق تسلح غير مقيد.
ويزيد من خطورة الموقف أن ترامب ألمح إلى احتمال استئناف التجارب النووية الأمريكية، في حين أصدر بوتين توجيهات لوزارته الخارجية والدفاعية بإعداد مقترحات لخطوات مماثلة.
في المقابل، دعت الصين إلى احترام معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، مؤكدة التزامها بالمسار الدبلوماسي.
تُظهر التطورات الأخيرة أن العالم يقف على أعتاب مرحلة نووية جديدة تتسم بعدم اليقين، وانعدام الثقة بين القوى الكبرى.
الولايات المتحدة تسعى للحفاظ على تفوقها التقني، وروسيا تحاول تأكيد جاهزيتها الإستراتيجية رغم الضغوط الاقتصادية والعقوبات، فيما تعمل الصين على بناء قوة ردع متصاعدة ضمن رؤيتها للتحول إلى قوة عظمى متكاملة بحلول منتصف القرن.
وفي غياب أي إطار فعال للحد من التسلح أو الحوار الإستراتيجي، يبدو أن توازن الردع الذي حمى العالم لعقود بات مهددًا، وسباق الصواريخ الجديد، قد يصبحان المحرّك الأخطر لاضطراب النظام الدولي في السنوات المقبلة.