رئيس الموساد يعتبر أن على إسرائيل "ضمان" عدم استئناف إيران لبرنامجها النووي
أكد خبراء أن التصعيد بين أمريكا وروسيا بلغ مرحلة شديدة الخطورة بعد تلويح موسكو بإجراء تجارب نووية جديدة في حقل "نوفايا زيمليا"، في خطوة تحمل رسائل ردع واستعراض قوة أكثر من كونها استعداد فعلي لحرب نووية.
وكشف الخبراء، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن مجرد الحديث عن العودة للتجارب النووية يمثل كسراً لحاجز الردع النفسي الذي حافظ على استقرار العالم لعقود.
وأشاروا إلى أن كلا الطرفين يسعى لاستخدام هذا الملف كورقة ضغط سياسية في مواجهة الآخر وسط استمرار التوتر في أوكرانيا وتبادل التحذيرات العسكرية.
ورجح الخبراء أن يكون الهدف الحقيقي للطرفين هو إعادة فتح قنوات التفاوض على توازنات الردع النووي، وليس الذهاب نحو مواجهة مباشرة، لكنهم حذروا من أن استمرار هذا التصعيد قد يدفع العالم إلى مرحلة غير مسبوقة من انعدام الثقة النووية.
وقال المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية الدكتور سمير أيوب إن إعلان الطرفين عن احتمال العودة إلى التجارب النووية يشكل خطراً ليس على أمريكا وروسيا فحسب، بل على العالم بأسره.
وأضاف لـ"إرم نيوز" أن مجرد كسر حاجز الحديث عن التجارب النووية، وقبلها عن احتمال استخدام السلاح النووي، يؤكد حاجة العالم اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى أصحاب العقول النيرة والقادة القادرين على منع انزلاق الأمور نحو صدام مباشر.
وأشار الدكتور أيوب إلى أن روسيا تسعى حالياً إلى الإعلان عن أسلحة جديدة ومتطورة ليست بالضرورة أسلحة نووية تقليدية، لكن بعضها يعمل بمحركات نووية، لأن موسكو تشعر بتهديدات تمس أمنها القومي نتيجة نشر صواريخ وغرف قرار غربية يُنظر إليها كخطر على أراضيها.
وبيّن أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تواجه ارتباكاً واضحاً في قراراتها، وأن إعلان ترامب استعداده للعودة إلى التجارب النووية كرد فعل على تصريحات روسية يعكس، برأيه، "سوء فهم لمواقف موسكو" أو ربما وجود عناصر داخل الإدارة تحرض على اتخاذ مواقف متشددة تجاه روسيا.
وأكد الدكتور أيوب أن موسكو لا تسعى لصراع مباشر مع أمريكا ولا واشنطن كذلك، لأن أي صراع نووي بين القوتين سيؤدي إلى تدمير الطرفين والعالم بأسره، موضحًا أن التهديد المتبادل بإجراء تجارب نووية قد يفتح الباب أمام إعادة التفاوض وفتح قنوات دبلوماسية جديدة للحد من التصعيد.
واستشهد بتصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، التي قال فيها: إن "أي صراع نووي بين أكبر قوتين نوويتين قد يؤدي إلى فناء كلا الطرفين"، في إشارة إلى أن استخدام هذه الأسلحة لا يؤدي إلى نصر بل إلى "كارثة شاملة".
ولفت الدكتور أيوب إلى أن أزمة أوكرانيا كانت أحد الأسباب الجوهرية لهذا التوتر، قائلاً إن استمرار الغرب في سياسات "الاحتواء والتهديد" قد يقود إلى نزاعات جديدة، في حين يمكن أن يدفع التصعيد نفسه الأطراف إلى البحث عن حل سلمي يضمن الأمن للطرفين وللعالم بأسره.
ونوه بأن احتمالات التصعيد قائمة، لكنه لا يتوقع أن تصل إلى حرب نووية مباشرة بين روسيا وأمريكا، بل إلى "صراعات محدودة بالأسلحة التقليدية" عبر وسطاء أو على أراضٍ محايدة، وربما مواجهات غير مباشرة أو عمليات تحذيرية دون انزلاق شامل.
وأوضح أن الأهمية لا تكمن في عدد الرؤوس النووية بقدر ما ترتبط بالنوعية والدقة والقدرة على الردع، فالقليل منها كافٍ لإحداث دمار واسع، ولذا فإن الحفاظ على التوازن وتجنب استفزاز الطرف الآخر يجب أن يكون "أولوية مطلقة".
ومن جهته، قال رامي القليوبي، الأستاذ بكلية الاستشراق في المدرسة العليا للاقتصاد بموسكو، إن العودة إلى معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية التي وُقّعت عام 1996 بين روسيا وأمريكا تُظهر الفارق في الالتزام بين الطرفين، خاصة أن روسيا صدّقت عليها عام 2000، فيما لم تصدّق عليها أمريكا.
وأكد لـ"إرم نيوز" أن أمريكا أجرت في نهاية عام 2023 تجربة نووية تحت سطح الأرض في ميدان نيفادا، وعلى إثر ذلك سحبت روسيا تصديقها على المعاهدة.
وأوضح القليوبي أنه "لا توجد عقبات قانونية» أمام الطرفين لإجراء تجارب جديدة، لكن هناك "عقبات تقنية" لأن أمريكا لم تجرِ تجارب منذ عام 1992، ما يعني أن ميدان نيفادا يحتاج إلى تحديثات قد تستغرق من عام إلى ثلاثة أعوام.
وأشار إلى أن روسيا ما بعد الاتحاد السوفيتي لم تُجرِ أي تجربة نووية حتى الآن، ما يجعلها بحاجة إلى استعدادات فنية ولوجستية ضخمة قبل أي اختبار محتمل، مرجحاً أن تكون هذه التهديدات «مجرد أداة ضغط نفسي» وليست نية فعلية لتنفيذ تجارب جديدة.
وأضاف القليوبي أن إجراء مثل هذه التجارب سيحمل أعباء سياسية واجتماعية هائلة، فلو نفذتها أمريكا ستندلع احتجاجات واسعة من حركات "الخُضر" ودعاة السلام في الداخل والخارج، ما يجعلها خطوة ذات كلفة سياسية عالية.
وذكر أنه حتى لو أجرت أمريكا تجربة نووية جديدة، فلن يكون ذلك كارثة، إذ شهدت الحرب الباردة مئات التجارب التي كانت بمرتبة "رسائل استعراض للقوة" دون أن تؤدي إلى صدام مباشر بين القوتين.
ويقع أرخبيل "نوفايا زيمليا" في أقصى شمالي روسيا داخل المحيط المتجمد الشمالي، بين بحري بارنتس وكارا، ويُعرف بأنه أحد أخطر مواقع التجارب النووية في التاريخ.
وأُنشئ الموقع عام 1954 كمنشأة سرية للجيش السوفييتي، واستُخدم بين عامي 1955 و1990 لإجراء أكثر من 220 تجربة نووية، بلغ إجمالي قوتها التفجيرية 265 ميغاطن من مادة "تي إن تي" أي ما يعادل أكثر من مئة ضعف مجموع المتفجرات المستخدمة في الحرب العالمية الثانية.
وفي الموقع تحديدًا، فجّر الاتحاد السوفييتي في الـ30 من شهر تشرين الأول/أكتوبر لعام 1961 قنبلة "القيصر بومبا" الشهيرة، أقوى سلاح نووي في التاريخ بقدرة بلغت 50 ميغاطن، أي ما يعادل 3,000 مرة قنبلة هيروشيما.
وأحدث الانفجار حينها سحابة إشعاعية مرئية من مسافة ألف كيلومتر، ودمّر كل ما في محيط 100 كيلومتر، كما شهد الموقع في شهر أيلول/سبتمبر 1973 أكبر تجربة نووية تحت الأرض بقوة زلزالية قاربت 7 درجات على مقياس ريختر، ما أدى إلى انهيار جليدي هائل وتكوين بحيرة جديدة.
وتشير المعطيات إلى أن روسيا لا تسعى حالياً إلى تنفيذ تجربة فعلية بقدر ما تستخدم "نوفايا زيمليا" كورقة ضغط إستراتيجي ورسالة مزدوجة للغرب، الأولى تتعلق بإعادة تعريف التوازن النووي بعد انسحاب واشنطن من معاهدات الحد من التسلح، والثانية تأكيد الجاهزية العسكرية الروسية الكاملة في مواجهة أي استعراض أمريكي.
وبحسب تصريحات وزير الدفاع الروسي أندريه بيلوسوف، فإن منشآت "نوفايا زيمليا" جاهزة فنياً ولوجستياً ويمكن تفعيلها "خلال فترة قصيرة جداً"، فيما وصف خبراء غربيون هذه التصريحات بأنها "إشارات ردع نفسي" تهدف لإجبار أمريكا على التراجع عن إعلانها النووي الأخير.
غير أن استئناف أي اختبار في هذا الموقع سيعيد إلى الأذهان الكوارث البيئية التي خلفتها التجارب السابقة، خاصة أنه ألقي أكثر من 13 مفاعلاً نووياً تالفاً في مياه بحر بارنتس، وأن الدراسات الروسية أثبتت أن نحو 70% من التجارب تحت الأرض تسببت بتسربات إشعاعية وصلت آثارها إلى القطب الشمالي وشمالي أوروبا.