أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن اتخاذ قرار حاسم لإنشاء منطقة عازلة أمنية تمتد على طول الحدود مع أوكرانيا، في خطوة تعكس عمق الأزمة وصعوبة التوصل إلى مخرج منها ورغبة روسية في إعادة رسم خريطة النفوذ لديها.
وقال بوتين خلال اجتماع حكومي إن القوات الروسية تعمل بجد على إنجاز هذه المنطقة، مع التركيز على إعادة إعمار المدن والقرى وتأهيل البنى التحتية الحيوية، لتكون هذه الخطوة بداية لمرحلة جديدة من السيطرة والتحكم الأمني.
الخطوة الروسية، التي تحمل في طياتها رسائل قوية إلى الداخل والخارج، تأتي في ظل توتر متصاعد ومخاوف من اتساع رقعة النزاع، لتعكس استراتيجية روسية جديدة تهدف إلى إعادة رسم قواعد اللعبة الأمنية والجغرافية في المنطقة.
وبحسب تصريحات الرئيس الروسي، فإن هذه المنطقة الأمنية العازلة تشمل تحصينات متطورة ووحدات عسكرية دائمة لمنع أي اختراق أو هجوم محتمل، إلى جانب منظومات دفاع جوي متقدمة تضمن حماية القرى والمدن الواقعة على الحدود.
والمنطقة العازلة ليست مجرد شريط حدودي فاصل، بل هي مشروع شامل يتجاوز البُعد العسكري إلى محاولة لإعادة استقرار المناطق الحدودية المتضررة، وتأمين خطوط الدفاع الروسية من الهجمات المتكررة التي أدت إلى خسائر مادية وبشرية.
ويرى خبراء، أن طرح روسيا لإنشاء منطقة عازلة على الحدود مع أوكرانيا قائم منذ عام 2022.
وقال بسام البني، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، إن طرح روسيا إنشاء منطقة عازلة على الحدود مع أوكرانيا تم التطرق إليه منذ مفاوضات إسطنبول عام 2022، وأن هذه الخطوة تستهدف حماية الأراضي الروسية من الهجمات المتكررة وتسلل بعض العناصر من الجيش الأوكراني إلى داخل الأراضي الروسية.
وأكد البني لـ"إرم نيوز"، أن المنتصر هو من يحدد الشروط والضمانات التي يتم التوصل إليها، وروسيا اليوم منتصرة على أوكرانيا، فالقوات الروسية تتقدم على الأرض يومًا بعد يوم، وفق تعبيره.
وأضاف أن هذه المنطقة ترسم وضعًا جيوسياسيًا جديدًا، خاصة بعد ضم روسيا لأربع مقاطعات في شرق أوكرانيا.
وأكد أن المنطقة العازلة ستكون ضمن بنود التفاوض إذا ما تم التوصل إلى صيغة مشتركة لإنهاء الحرب وتحقيق السلام بين روسيا وأوكرانيا.
وأشار إلى أن روسيا من خلال إنشاء هذه المنطقة العازلة، تهدف إلى تثبيت مكاسبها الجغرافية والعسكرية التي حققتها منذ بداية الحرب.
وتابع: "بينما تعد موسكو هذه الخطوة أداة دفاعية لحماية حدودها، فإنها في الوقت نفسه تمثل جزءًا من مشروع سياسي استراتيجي يهدف إلى فرض أمر واقع جديد على الأرض، يُكرّس النفوذ الروسي في شرق أوكرانيا، ويؤسس لمرحلة تفاوضية بشروط روسية".
وأردف أن "المنطقة العازلة ليست فقط إجراءً أمنيًا، بل خطوة متقدمة في مشروع إعادة رسم الخريطة الجيوسياسية للمنطقة، بما يتماشى مع طموحات روسيا في تعزيز حضورها في المجال الحيوي لحدودها".
من جانبه، قال د. آصف ملحم، مدير مركز"JSM" للأبحاث والدراسات، إن المنطقة العازلة التي أعلنت عنها روسيا تقع على حدود مقاطعتي خاركيف وسومي، وقد بدأ الحديث عنها منذ فترة، حيث كانت أوكرانيا، من خلال راجمات الصواريخ والمدفعية، تقصف باستمرار العديد من البلدات والمدن الروسية انطلاقًا من مقاطعة خاركيف، لا سيما مدينة بيلغورود، ولذلك طُرح موضوع إقامة منطقة عازلة منذ وقت طويل، وكانت روسيا تنوي إنشاءها بالفعل.
وأضاف ملحم لـ"إرم نيوز" أن المنطقة العازلة، من الناحية الفنية، ستكون بعمق عدة كيلومترات، يتراوح بين 3 إلى 5 كيلومترات، وستُجهَّز بالسواتر الترابية، والخنادق الدفاعية، والأسلاك الشائكة، بهدف إعاقة أي تسلل لوحدات أو مجموعات أوكرانية إلى داخل الأراضي الروسية.
وأوضح أن المنطقة العازلة ستضم وحدات عسكرية دائمة، ونقاط حراسة، ونقاط إنذار، بالإضافة إلى معدات عسكرية موجودة باستمرار، إلى جانب دوريات عسكرية لحراسة هذه المنطقة ومنع تسلل الجنود الأوكرانيين إلى المقاطعات الروسية الحدودية.
وأكد مدير مركز "JSM" للأبحاث والدراسات، أن الهدف القريب والمباشر من هذه المنطقة هو منع تسلل القوات الأوكرانية إلى داخل الأراضي الروسية، وكذلك منع قصف القرى والبلدات الروسية القريبة من الحدود بالمدفعية وراجمات الصواريخ، ولهذا، سيتم نشر منظومات دفاع جوي في هذه المنطقة لإعاقة أي قصف.
وأشار إلى أن الهدف الثاني من إنشاء هذه المنطقة العازلة يتمثل في الرد على القوى الغربية التي تسعى إلى نشر قوات غربية داخل أوكرانيا تحت مسمى قوات حفظ السلام، كضمانات أمنية لأوكرانيا.
وأوضح أنه إذا وقعت أوكرانيا اتفاق سلام مع روسيا، فلا بد من وجود آلية معينة لضمان أمنها، سواء بانضمامها إلى حلف الناتو، أو بنشر قوات غربية داخل أراضيها، أو بوجود قوات سريعة الانتشار في المناطق المتاخمة لروسيا، في حال شنت روسيا هجومًا على أوكرانيا.
وأوضح ملحم، أن المنطقة العازلة التي طرحتها روسيا ستكون جزءًا من التفاصيل الفنية التي تُناقَش في المفاوضات حول خط الجبهة، وستترافق معها منطقة منزوعة السلاح، في إطار اتفاق تعمل روسيا على ترتيبه الآن، وسيجري الحديث عنه في أي اتفاق سلام مستقبلي بين روسيا وأوكرانيا.
وأكد أن روسيا تطرح هذه المنطقة العازلة كجزء من "معادلة مقابل معادلة"، و"طرح مقابل طرح"، ضمن رؤية تفاوضية تهدف إلى عدم منح الطرف الغربي كل ما يريده في هذه المفاوضات.