شنت الولايات المتحدة، ما يمكن وصفه بأنه "أعقد ضربة عسكرية ضد بنية نووية" منذ قصف إسرائيل لمفاعل تموز العراقي عام 1981؛ لكن الفرق فيما جرى في إيران لا يمكن قياسه لحدث جرى بشكل منفرد ضد مفاعل "تموز"، وفقا لخبراء.
ويقول خبراء عسكريون وباحثون، إن القصف الأمريكي للمنشآت النووية الإيرانية، والذي استهدف ثلاثة مواقع هي فوردو ونطنز وأصفهان، لم يكن اعتباطيا، وإنما كانت الأهداف الثلاثة مختارة بعناية، لما يمثل كل منها من أهمية كبرى في البرنامج النووي الإيراني.
عمل جيوسياسي مركب
الباحث السياسي السوري مازن بلال، يقرأ الضربة الأمريكية بوصفها "عملا جيوسياسيا مركبا، مخططا له بدقة، هدفه إخراج إيران من معادلة الزمن النووي، دون أن يُغرق المنطقة في الفوضى الإشعاعية"، وبالتالي لم يكن مجرد رسالة سياسية أو ردعا رمزيا، كما يحاول البعض تفسيره.
وأشار بلال في تصريحات لـ "إرم نيوز" إلى أن اختيار الأهداف في الضربة الأمريكية ضد المنشآت النووية الإيرانية، لم يكن اعتباطيا أو تقنيا صرفا، بل خضع لمنطق جيوسياسي صارم يراعي التضاريس، والرمزية، والمستوى الفني لكل منشأة، وظهر ذلك بوضوح في كيفية اختيار الأهداف الثلاثة التي تمثل ثلاث وظائف نووية مختلفة ضمن هيكل البرنامج الإيراني: السرية، التصنيع، والمعالجة".
اختيار هذه المواقع، كما يقول بلال، يعكس "الجيو-استهداف"؛ فلم يكن الأمر عسكريا فقط، بل مرتبطا بعلم الجغرافيا نفسه: فوردو لضرب القلب السري، نطنز لكسر العمود الصناعي، وأصفهان لنزع الغلاف الفني عن المشروع.
وفجر الأحد، استهدفت الولايات المتحدة، بهجوم غير مسبوق، أبرز منشآت إيران النووية، وعلى رأسها منشأة "فوردو"، وهي منشأة تخصيب سرية تقع داخل جبل بعمق أكثر من 80 مترا. حيث استخدمت في استهدافها قنابل خارقة للتحصينات من نوع (MOP) عبر قاذفات B-2 الإستراتيجية .
كما ضربت المقاتلات الأمريكية منشأة "نطنز"، أكبر منشآت التخصيب في إيران، وهو موقع صحراوي محصن جزئيا، استخدمت الولايات المتحدة صواريخ توماهوك أطلقت من غواصات في البحر لاستهدافه.
أما الهدف الثالث فكان في "أصفهان"، وهو مركز لتحويل اليورانيوم، ويقع في ضواحي حضرية قرب مركز علمي، وقد استخدمت أيضا صواريخ توماهوك موجهة لتدميره.
عمل جراحي
الخبير العسكري السوري محمد عباس، قال من جهته، إن العملية الأمريكية، لم تكن استعراضا تقنيا، بل عملية جراحية جيواستراتيجية، فهي عمل صامت من تحت البحر (الغواصات) وتقدم جوي من خارج الرادار.
وأضاف في تصريحات لـ "إرم نيوز" أن العملية لم تقتصر على اختيار دقيق للأهداف، بل تجسدت في استخدام مزيج معقد من أدوات الردع والتكنولوجيا المتقدمة، تم تنسيقها على نحو يُحاكي استراتيجية عسكرية ما بعد الحداثة؛ أدوات غير مرئية، انطلقت من أعماق البحار وعبرت مسارات جوية لا تكشفها الرادارات، بهدف إصابة الهدف دون إطلاق حرب شاملة، و"هذه الأدوات ليست مجرد وسائل قتال، بل هي تعبير مباشر عن التوازن بين القوة والسياسة في لحظة جيوسياسية حساسة"كما يقول.
لماذا لم يحدث تلوث إشعاعي؟
لم تسجَّل مؤشرات على تسرب إشعاعي حتى الآن، وفقا لما أعلنته الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتبعتها إيران بتصريح مماثل.
وهو ما يعود إلى أكثر من سبب أو عامل كما يقول الخبير العسكري، فالمواقع المستهدفة لا تحوي مفاعلات نشطة بل منشآت تخصيب وتحويل، مشيرا إلى أن نوع المواد (UF6 وUO2) لا تنفجر تلقائيا أو تطلق إشعاعا عند قصفها.
كما أن الصواريخ والأسلحة الأمريكية كانت موجهة بدقة إلى البنية التحتية وليس قلب التخصيب. أما السبب الثالث، وفقا للخبير محمد العباس، فهو الإخلاء الإيراني المسبق، وخاصة مع ظهور صور للأقمار الصناعية تشير إلى نقل مواد حساسة مسبقا.
الضربة كانت أقرب إلى نزع الممكنات النووية، لا تفجير الرأس، وفقا للباحث مازن بلال. فهي عطلت منشآت نووية بعمق الأرض، دون سقوط ضحايا أو تسرب إشعاعي.