فيما تواجه فرنسا أزمة ديمقراطية لم تشهدها منذ عقود، فإن السيناريوهات باتت محدودة أمام الرئيس إيمانويل ماكرون، لتجاوز المأزق، ولعل أحدها هو استقالته، كما ترى صحيفة "التايمز" البريطانية.
ودخلت فرنسا في أزمة كبرى، إثر تقديم رئيس الوزراء، سيباستيان لوكورنو، استقالته إلى ماكرون، اليوم الاثنين، وفق ما أعلن قصر الإليزيه في بيان، معمقاً الصراع السياسي المتأزّم في البلاد.
وفي تصريحات له، قال رئيس الوزراء الفرنسي المستقيل إنه "لا يمكن أن أكون رئيس وزراء عندما لا تُستوفى الشروط"، موضحاً أن "الظروف لم تكن مناسبة لأصبح رئيساً للوزراء".
ووفق "التايمز" البريطانية، يبدو أن ماكرون الآن لا يملك سوى خيارات غير محسودة أمامه، الأول هو تعيين رئيس وزراء يساري قد يكون قادراً على حشد أغلبية كافية للحكم. ويدعو بعض مستشاريه إلى اتباع هذا النهج، حتى لو تطلب ذلك التخلي عن أجندته الداعمة لقطاع الأعمال.
أما الحل الثاني، فيتمثل في إنهاء الجمود السياسي بالدعوة إلى انتخابات برلمانية جديدة، إذ يأمل العديد من المراقبين السياسيين أن يُنهي الناخبون العقدة التي ربطوها عام 2024 بإعادة مجلس وطني بأغلبية واضحة، مما يُمكّن من تعيين حكومة مستقرة.
ومع ذلك، ستكون هناك مخاطر على ماكرون، وفق "التايمز"، إذا بدا أن هناك حزباً مرشحاً للفوز بأغلبية في البرلمان، فهو التجمع، الذي تعهد بسحقه، والذي أصبح الآن أقوى من أي وقت مضى.
وترجّح مصادر أن جوردان بارديلا (30 عاما)، رئيس المظاهرة، والذي كان يعتقد أنه على وشك الفوز العام الماضي، يستعد لحملة في الأسابيع المقبلة، مقتنعا بأن ماكرون سيضطر إلى حل البرلمان.
فيما الخيار الثالث "المُر" المطروح أمام ماكرون هو استقالته، وقد استبعد هذا الخيار مراراً، لكن عدداً متزايداً من السياسيين من مختلف الأطياف السياسية يحثونه على إعادة النظر.
عصفت الاضطرابات السياسية بفرنسا في العقد الذي أعقب الحرب العالمية الثانية، إذ تكررت التعديلات الوزارية، وجاءت الحكومات وذهبت، وسادت الحيرة بين الناخبين، وخيمت أجواء انقلاب عسكري.
في عام 1958، عاد الجنرال شارل ديغول، الذي قاد المقاومة ضد النازيين خلال الحرب، إلى السلطة، ووضع حداً للفوضى، وفرض دستوراً قائماً على رئيس دولة قوي. وبعد أربع سنوات، دعا إلى انتخابات رئاسية، فاز فيها فوزاً ساحقاً في تصويت أنقذ الديمقراطية الفرنسية فعلياً.
لكن "التايمز" ترى أن الرئيس ماكرون يبدو أنه يُفكك الآن إرث ديغول، إذ يقول مراقبون مخضرمون إن قراره "الكارثي" بالدعوة إلى انتخابات برلمانية مبكرة عام 2024، والذي أسفر عن جمعية وطنية مُعلّقة، أعاد فرنسا إلى اضطرابات الخمسينيات.
وتهاوت حكومات الأقلية كالسهم، وانخرطت الأحزاب السياسية في مناورات خلف الكواليس، وشعر الناخبون بالغضب، في فترة عصيبة شهدتها فرنسا وجاء خلالها ثلاثة رؤساء وزراء ورحلوا في غضون اثني عشر شهراً، وتم اعتماد ميزانية هذا العام متأخراً، وقد لا يتم اعتماد ميزانية العام المقبل على الإطلاق.
من الناحية النظرية، يحتفظ ماكرون بمجموعة واسعة من الصلاحيات الممنوحة له بموجب دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة، الذي دخل حيز التنفيذ قبل 67 عاماً.