logo
العالم

فرنسا تودّع المادة 49.3.. ثورة ديمقراطية أم مناورة سياسية؟

رئيس الوزراء الفرنسي المعين حديثًا سيباستيان ليكورنوالمصدر: (أ ف ب)

في تحول لافت بالأسلوب الحكومي، أعلن رئيس الوزراء الفرنسي الجديد سيباستيان لوكورنو تخليه عن استخدام المادة 49.3 من الدستور، وهي الأداة المثيرة للجدل وتتيح تمرير القوانين دون تصويت برلماني. 

ولقي القرار ترحيباً متفاوتاً؛ حيث اعتبرته مارين لوبن، زعيمة التجمع الوطني، "خطوة أكثر احتراماً للديمقراطية" مقارنة بما شهدته فرنسا في السنوات السابقة، فيما شدد أوليفييه فور، زعيم الحزب الاشتراكي، على أن الأمر "يؤسس لتغيير منهجي" لكنه لا يلغي الشكوك بشأن النوايا الحقيقية للحكومة.

تباين موقف الأحزاب السياسية

ورحبت مارين لوبان زعيمة حزب التجمع الوطني، بالقرار واعتبرته "خطوة أكثر احتراماً للديمقراطية والدستور"، لكنها حذرت من أنها "لا ترى فيه قطيعة مع الماكرونية"، في الوقت نفسه أثارت الجدل بظهورها أمام ماتينيون تحمل في يدها قفصاً صغيراً بداخله هر صغير حديث الولادة.

فيما وصف أوليفييه فور زعيم الحزب الاشتراكي، القرار بأنه "تغيير في المنهجية" لكنه طالب بترجمته عملياً عبر تصويت برلماني على إصلاحات جوهرية، خصوصاً ملف التقاعد.

بدوره، قال فابيان روسيل (زعيم الحزب الشيوعي) إنه من المبكر التفكير في إسقاط حكومة تتخلى عن 49.3"، لكنه حذر من "أي خدعة سياسية خلف هذا التراجع".

من جانبه، قال مانويل بومبار (من حزب فرنسا الأبية)، إن الكتلة اليسارية ستتقدم بمذكرة حجب الثقة ضد "حكومة غير شرعية"، معتبراً أن التخلي عن المادة لا يغير شيئاً من طبيعة السلطة.

كما رحبت أحزاب الوسط (موديم – هورايزنز)، بما وصفته "يداً ممدودة للحوار البرلماني"، فيما قالت الوزيرة السابقة أوروغ بيرجي إن الخطوة تعكس "خياراً واضحاً للشفافية والمسؤولية".

من جهته، قال زعيم الجمهوريون، برونو ريتايو، إن مشاركة حزبه في الحكومة "غير مضمونة إطلاقاً"، معتبراً أن القرار لا يبدد الخلافات العميقة حول التوجهات الاقتصادية.

ما هي المادة 49.3 من الدستور الفرنسي؟

تعود المادة 49.3 إلى دستور الجمهورية الخامسة الفرنسية (1958)، وتمنح الحكومة صلاحية تمرير مشروع قانون في الجمعية الوطنية من دون تصويت، إلا إذا تمكن النواب خلال 24 ساعة من إسقاط الحكومة عبر التصويت على مذكرة حجب الثقة.

وتعتبر هذه الآلية سيفاً ذا حدين: فهي تتيح للسلطة التنفيذية تجاوز المأزق البرلماني وتسريع التشريع، لكنها في المقابل كثيراً ما تُتهم بأنها تلتف على روح الديمقراطية، وآخر من استخدمها بكثرة كانت رئيسة الوزراء السابقة إليزابيث بورن، حيث لجأت إليها 23 مرة، ما أثار احتجاجات واسعة خصوصاً خلال تمرير إصلاح نظام التقاعد.

احترام للديمقراطية

من جانبه، قال الدكتور لوران بوفيه، باحث في المركز الوطني للبحث العلمي والمتخصص في الحركات البرلمانية الفرنسية، إن "تخلي لوكورنو عن 49.3 لا يمكن قراءته فقط كبادرة احترام للديمقراطية. 

ورأى بوفيه، في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن التصريح بمثابة انعكاس لضعف توازن القوى داخل البرلمان؛ أي لجوء جديد لهذه المادة كان سيعني تلقائياً سقوط الحكومة عبر حجب الثقة، مضيفا: "بمعنى آخر، القرار أقرب إلى براغماتية سياسية منه إلى قناعة دستورية".

بدورها، قالت البروفيسورة سيلفي ستراوس، خبيرة في علم السياسة بجامعة باريس نانتير والمتخصصة في الأحزاب اليمينية، إن "ردود الأفعال تكشف انقسام الساحة الحزبية، فاليمين المتطرف (لوبن) يسعى لتصوير نفسه كمدافع عن الديمقراطية، بينما اليسار الراديكالي، يصر على نزع الشرعية عن الحكومة. 

وأضافت، لـ"إرم نيوز"، قائلة: "في الواقع، هذه الخطوة قد تمنح المعارضة أدوات جديدة لإحراج الحكومة داخل البرلمان، لكنها قد تفتح أيضاً هامشاً للتوافقات، وهو ما سيحدد مستقبل لوكورنو السياسي".

وأوضحت ستراوس أنه من الناحية القانونية فإن التخلي عن المادة 49.3 "لا يقتصر على كونه خياراً سياسياً ظرفياً، بل يفتح نقاشاً جوهرياً حول التوازن بين السلطات في الجمهورية الخامسة". 

استقرار السلطة التنفيذية

ورأت أن هذه المادة صممت أصلاً لضمان استقرار السلطة التنفيذية في مواجهة برلمان مجزأ، لكن الإفراط في استخدامها، كما حدث في عهد بورن، أدى إلى نزع الشرعية عن القوانين وتمكين المعارضة من تصويرها كأداة "قسرية" لا تحترم التعددية.

وأضافت أن خطوة لوكورنو، من منظور دستوري، "تؤسس لتجربة نادرة، حيث يُعاد الاعتبار لدور البرلمان كمكان للنقاش والتوافق"، لكنها تحذر في الوقت ذاته من أن الحكومة ما زالت تملك أدوات أخرى للسيطرة على الأجندة التشريعية، ما يعني أن "المعركة الحقيقية ستكون حول مضمون السياسات، لا مجرد الآليات".

ويأتي قرار لوكورنو في سياق سياسي ضاغط، وسط أزمة شرعية متصاعدة، فالبرلمان منقسم، والرأي العام متذمر من تكرار اللجوء إلى المادة 49.3 التي استخدمتها إليزابيث بورن 23 مرة خلال ولايتها. 

أخبار ذات علاقة

مشاركون في إضراب باريس

وسط جدل الميزانية.. إضراب فرنسا يضع النقابات والحكومة أمام "اختبار مزدوج"

 وأظهر استطلاع رأي أن 7 من كل 10 فرنسيين يعارضونها، فيما يمكن قراءة الاستطلاع كإشارة إلى استعداد الحكومة لفتح باب التوافقات البرلمانية، لكنه في الوقت ذاته يحمل شبهة تكتيكية، إذ يسعى لوكورنو إلى شراء الوقت وتفادي سقوط مبكر لحكومته عبر حجب الثقة.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC