logo
العالم

بعد اتفاق تاريخي.. "شيطان التفاصيل" يتربص بصفقة كاليدونيا الجديدة

بعد اتفاق تاريخي.. "شيطان التفاصيل" يتربص بصفقة كاليدونيا الجديدة
مظاهرة مؤيدة للاستقلال في نوميا عاصمة كاليدونيا الجديدة المصدر: شبكة التواصل الاجتماعي
15 يوليو 2025، 2:23 م

اعتبر خبراء فرنسيون مختصون في شؤون ما وراء البحار أن التفاهم الأخير بين الاستقلاليين والوحدويين في  كاليدونيا الجديدة يمثل تحولًا مهمًّا يفتح صفحة جديدة محفوفة بالمخاطر، لكنه يعكس في الوقت ذاته نجاحًا دبلوماسيًّا نادرًا في هذا النوع من القضايا. 

ويُعزى هذا النجاح إلى منهجية الحوار والإنصات التي قادها وزير ما وراء البحار، مانويل فالس.

في خطوة غير مسبوقة منذ عقود، تم التوصل إلى اتفاق مبدئي يقضي بإنشاء "دولة كاليدونيا الجديدة" داخل الجمهورية الفرنسية، يتضمن الاعتراف بجنسية كاليدونية، وتوسيعًا تدريجيًّا للهيئة الناخبة، إلى جانب توزيع مرن للصلاحيات.

 وقد أُعلن عن هذا الاتفاق في 12 يوليو الجاري عقب مفاوضات مغلقة استمرت عشرة أيام في بلدة بوغيفال قرب باريس. ورغم وصفه بـ"التاريخي"، قوبل الاتفاق ببعض التحفظات من قواعد شعبية في كلا المعسكرين.

نجاح سياسي نادر بأسلوب كلاسيكي

واعتبر البروفيسور فرانسوا دونوا، أستاذ السياسات الاستعمارية وما بعد الاستعمارية في معهد الدراسات السياسية بباريس، أن ما تحقق يُعد نجاحًا سياسيًّا بوسائل تقليدية أصبحت نادرة في هذا العصر.

وقال دونوا، في تصريحات لـ"إرم نيوز": "أهمية فالس لا تقتصر على مضمون الاتفاق، بل تكمن في قدرته على إعادة بناء الثقة بين الطرفين، لقد أعاد إلى المشهد السياسي في كاليدونيا ما غاب طويلًا: السياسة كأداة للتوازن، لا مجرد صراع على النفوذ".

وأضاف أن النهج الفرنسي هذه المرة اتّسم بنضج أكبر مقارنة بالتجارب السابقة، حيث ابتعدت باريس عن أسلوب الإملاء المركزي، ولجأت إلى تفويض محلي مدعوم بشرعية رمزية قوية، تمثلت في إدارة وزير دولة للمفاوضات بدلًا من مجرد مندوب.

كما أُجريت المفاوضات بعيدًا عن الضغوط الإعلامية، مع استحضار دائم لذاكرة اتفاق 1988.

ولفت دونوا إلى أن فالس "استفاد من خلفيته الشخصية والتاريخية، إذ بدأ مسيرته السياسية مستشارًا في مكتب رئيس الوزراء ميشيل روكار، بعد توقيع اتفاق السلام عام 1988. وهو ما يمنحه وزنًا رمزيًّا لا يستهان به في عيون الكاليدونيين".

تحفظات شعبية... وتحديات في الأفق

ورغم الترحيب الرسمي بالاتفاق، ظهرت انتقادات من بعض القواعد الشعبية في كلا الطرفين، حيث عبّر عدد من النشطاء عن استيائهم من توقيع الاتفاق دون إجراء مشاورات كافية أو العودة بشكل واضح إلى القواعد التنظيمية.

واختار مانويل فالس أن يقود المفاوضات بأسلوب وصفه المراقبون بـ"الصبر والاعتراف بالواقع"، مستعيدًا روح اتفاق 1988 الذي أنهى مواجهة أهلية غير معلنة بين الاستقلاليين والوحدويين.

وفي تصريح صحفي عقب التوقيع، استشهد فالس بالكاتب الفرنسي أناتول فرانس قائلاً: "الشك هو السلام"، في إشارة إلى أن التفاوض الناجح ينطلق من الإقرار بتعقيد الواقع وتعدد أبعاده.

يُذكر أن فالس على دراية وثيقة بالملف، إذ سبق أن أشرف عليه خلال توليه رئاسة الوزراء، كما ترأس لجنة برلمانية متخصصة بشؤون كاليدونيا الجديدة. وكان دخوله الحياة السياسية قد بدأ فعليًّا حين شغل منصب مستشار لرئيس الوزراء ميشيل روكار عام 1988، عقب المصافحة الرمزية بين جاك لافلور وجان ماري تجيباو، التي أنهت مرحلة المواجهة.

أخبار ذات علاقة

قمة حول كاليدونيا الجديدة في قصر الإليزيه

اتفاق تاريخي يمنح كاليدونيا صفة "دولة ضمن الجمهورية الفرنسية"

 

بين الطموح السيادي والتوازن الجمهوري

ويرى الباحث السياسي جان-إيف كورنو، المتخصص في قضايا ما وراء البحار بالمعهد الفرنسي للدراسات الجيوسياسية، أن الاتفاق يمثل "لحظة مفصلية في التاريخ السياسي لكاليدونيا الجديدة"، لكنه حذر من أن "الشيطان يكمن في التفاصيل"، خصوصًا في ما يتعلق بتفسير مصطلح "الدولة" ضمن الجمهورية الفرنسية.

وقال كورنو، لـ"إرم نيوز"، إن "مصطلح دولة كاليدونيا الجديدة يحمل رمزية خاصة لدى الاستقلاليين، لكنه يثير مخاوف لدى من يخشون أن يكون تمهيدًا لانفصال نهائي. الصيغة ذكية، لكنها تحتمل التباسات سياسية" وفق تعبيره.

أما الباحث دومينيك ديلوناي، فقال، لـ"إرم نيوز"، إن النجاح الحقيقي يكمن في "إعادة بناء الثقة بعد أحداث الشغب العنيفة في مايو 2024، التي كادت تُعيد الإقليم إلى حالة من الفوضى".

وأضاف أن "السر في نجاح المفاوضات كان إدارتها خلف أبواب مغلقة، وبتكليف مباشر من أعلى سلطة في الدولة. كما أن تولي فالس المَهمة بصفته وزير دولة وليس مجرد مفوض حكومي، بعث برسالة واضحة عن جدية الدولة الفرنسية".

أخبار ذات علاقة

مارين لوبان

"التجمع الوطني" يهاجم اتفاق كاليدونيا: "غامض والسيادة في خطر"

 خطوات قادمة: التصويت الشعبي في 2026

رغم التوصل إلى الاتفاق، أكد مانويل فالس أن "الأصعب لم يأت بعد"، داعيًا القيادات السياسية في كاليدونيا الجديدة إلى "شرح الاتفاق لقواعدهم الشعبية والدفاع عنه بوضوح".

ومن المقرر أن يُعرض نص الاتفاق خلال الصيف على الهياكل التنظيمية للأحزاب المحلية، على أن يتم طرحه لاستفتاء شعبي في مطلع عام 2026.

وفي مقابلة مع "فرانس إنتر"، حذّر فالس من أن البديل لغياب اتفاق كان "التصعيد وربما العودة إلى العنف أو حتى الحرب الأهلية"، مشيدًا بـ"المسؤولية السياسية" التي تحلت بها الوفود خلال المفاوضات.

روح 1988 تعود... ولكن بشروط جديدة

في ختام تصريحاته، استعاد فالس رمزية مصافحة عام 1988، مؤكدًا أن السياسة – بمعناها النبيل – لا تزال قادرة على تجنيب الشعوب الانزلاق نحو الكارثة.

وقال: "لقد أثبتت الوفود الكاليدونية أن الحوار والنقاش والتسوية ليست مجرد شعارات، بل أدوات حقيقية لبناء المستقبل".

أخبار ذات علاقة

خلال توقيع اتفاقية إنشاء "دولة كاليدونيا الجديدة"

جنسية مزدوجة وخطة اقتصادية.. بنود اتفاق كاليدونيا الجديدة "التاريخي"

 وبينما تتراوح المواقف بين التفاؤل الحذر والتوجس الشعبي، يبقى الاتفاق الأخير فرصة فريدة لإنهاء عقود من الانقسام في هذا الإقليم الاستراتيجي، شريطة ترجمة الأقوال إلى أفعال، ومنح السكان حق الكلمة النهائية.

;
logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC