الكرملين: بوتين يجتمع مع كيم ويشكره على دعمه للجيش الروسي
في خضم واحدة من أعقد الأزمات السياسية في أقاليم ما وراء البحار الفرنسية، يجد وزير شؤون ما وراء البحار، مانويل فالس، نفسه في قلب عاصفة سياسية تهدد بإسقاط أحد أبرز إنجازاته منذ عودته إلى الساحة الحكومية.
وبعد أشهر من المفاوضات المضنية لإبرام "اتفاق بوجيفال"، أعلنت جبهة تحرير كاليدونيا الجديدة المستقلة (FLNKS) رفضها الرسمي للاتفاق، في صفعة سياسية تأتي يوم عيد ميلاد الوزير، وتهدد بإجهاض جهوده لإعادة بناء صورته السياسية التي تضررت خلال السنوات الأخيرة.
وقال الباحث الأنثروبولوجي وخبير القانون الثقافي لقضايا كاليدونيا الجديدة في المركز القومي الفرنسي للبحوث العلمية، بنوآ تريبيد: "يبدو أن مانويل فالس أتاح مرحلة جديدة للحوار، عاكساً نهجاً أكثر انفتاحاً من أساليب الرئيس إيمانويل ماكرون وسابقيه، وقد نجح في إعادة جدول الأطراف السياسية إلى منصة التفاوض".
وأضاف تريبيد، لـ"إرم نيوز"، أن من أولويات معالجة أزمة أهلية كاليدونيا الجديدة تسوية قضية الجسم الانتخابي، من أجل إعادة الشرعية إلى النخبة السياسية المحلية المتأثرة بالتصعيدات العام 2024 .
وأوضح أن زيارة فالس الطويلة كانت إشارة إلى التزامه، وليست مجرد إجراءات رمزية، لكنها مؤشر على أن الإفراط في الضغط، الآن، قد يولّد مقاومة مضادة، تؤدي إلى تعميق الأزمة.
وأعلن وزير شؤون ما وراء البحار الفرنسي، عزمه التوجه إلى كاليدونيا الجديدة في محاولة لإنقاذ اتفاق بوجيفال، معتبراً أن الأمر يتعلق ليس فقط بـ"مستقبل الأرخبيل"، بل أيضاً بمستقبله السياسي الشخصي.
وكان فالس يأمل بأن تكون هذه الخطوة تتويجاً لمساره السياسي الجديد، إلا أن الرفض الرسمي من (FLNKS) أفسد هذه اللحظة، رغم أنه كان يتوقع هذا السيناريو منذ ظهور المؤشرات الأولى، ما دفعه إلى إعلان زيارته المقررة للأرخبيل في الأسبوع الذي يبدأ في 18 أغسطس/آب الجاري.
ومع ذلك، تبقى هذه الضربة قاسية لرجل يراهن كثيراً على هذا الملف لإعادة تأهيل نفسه سياسياً.
وبعد 7 أشهر فقط من عودته المفاجئة إلى العمل الحكومي، بدا فالس وكأنه في طريقه لتحقيق انتصاره الأكبر، فبعد نجاحه في تمرير قانون "إعادة تأسيس مايوت" دون اعتراضات دستورية، وإصداره 3 مراسيم لمعالجة أزمة غلاء المعيشة في أقاليم ما وراء البحار، جاءت اتفاقية بوجيفال الموقعة، في 12 يوليو/تموز، كذروة نجاحاته، بعد أكثر من عام على أحداث الشغب الدامية التي شهدتها المنطقة، العام 2024. لكن كل ذلك بدأ ينهار، في 13 أغسطس/آب الجاري، بحسب صحيفة "لوموند" الفرنسية.
ومنذ توليه الملف الكاليدوني، استعان فالس بأسلوب الحوار المباشر الذي اشتهر به رئيس الوزراء الاشتراكي الراحل ميشال روكار العام 1988 في اتفاقات ماتينيون.
وخلافاً لسابقِيه، تمكن فالس من جمع المستقلين والموالين لفرنسا حول طاولة واحدة، وهو إنجاز لم يحققه أحد منذ سنوات.
لكن مع رفض (FLNKS) الاتفاق بدعوى أنه "يتعارض مع أسس ومكتسبات نضالهم"، اعتبر المراقبون ذلك إشارة إلى أن أصواتهم سُمعت لكن مطالبهم الجوهرية لم تُلبَّ، وهو ما شكل طعنة واضحة في أسلوب فالس التفاوضي.
وبعد الإعلان الرسمي عن الرفض، أكد فالس أنه لن يستسلم، مشدداً على أن "هذه الطريقة هي التي سمحت في الماضي بتجاوز الأزمات وبناء اتفاقات ضامنة للسلام والاستقرار".
ومع ذلك، تغيرت نبرته بشكل ملحوظ، حيث حذّر من أن غياب الاستقرار السياسي سيؤدي إلى عزوف المستثمرين في قطاع النيكل، واستمرار نقص الكوادر الطبية، وتفاقم الفوارق الاجتماعية.
كما اتهم مباشرة (FLNKS) بـ"إدارة ظهرها للبحث عن التوافق والحوار الجماعي"، مشيراً إلى أنه لا يزال يستطيع الاعتماد على باقي الموقّعين للمضي في تنفيذ بنود الاتفاق.
وسيكون استقبال فالس في الأرخبيل اختباراً حقيقياً، فأي تصعيد أو مقاطعة من جانب المستقلين قد يقوّض صورته التي عمل على ترميمها منذ عودته إلى المشهد السياسي، وقد يعيد إلى الواجهة الانتقادات التي لاحقته في مراحله السابقة.
من جانبه، قال أستاذ القانون العام المتخصص في ما وراء البحار والأقاليم، تييري ميشالون، إن مساعي فالس لا يمكن فصمها عن الإطار المعمول به في أقاليم ما وراء البحار، التي تتطلب نموذجاً تفاوضياً "توافقياً" يحترم هويات ثقافية وقانونية متنوعة.
وأوضح ميشالون، لـ"إرم نيوز"، أن النموذج الفرنسي يتعامل مع ما وراء البحار كنواة "جمهورية إكستراناشيونالية"، كيانات فريدة ضمن الدولة الفرنسية، ويقترح نموذج دولة موحدة تجمع التمثيل عبر الانتماءات الثقافية والهوية المحلية، بدلاً من فرض حلول مركزية جرجرة .
وقال: "يجب أن يرتكز حل الأزمة إلى تمثيل جماعي حقيقي لمنطقتي فرنسا وشعوبها الأصلية، وليس فقط عبر سياسة مركزية خالصة".
وأوضح أن "النهج الذي اعتمده فالس يشبه ذلك الذي اقترحته نظرية 'الدولة الانسجامية'، التي تدعو لإدراج قوى محلية في العملية السياسية دون الانتقاص من السيادة الجمهورية".
وتابع ميشالون: "إنه اختبار حقيقي للطبيعة المتناسقة للجمهورية الفرنسية، وقد يصبح مدخلاً لحلول يُعاد فيها الاعتبار لما يُعرف بـ 'الجمهورية المتقاطعة'"، حيث تخدم الهوية المحلية والمصالح الوطنية في آن واحد".
وأشار إلى أن رفض (FLNKS) لاتفاق بوجيفال يعكس أزمة أعمق في بنية التفاوض السياسي في كاليدونيا الجديدة، إذ إن "طريقة فالس" القائمة على الحوارات المكثفة والجداول الزمنية الضيقة قد أظهرت فاعليتها في كسر الجمود، لكنها فشلت في معالجة القضايا الجوهرية، مثل: تقاسم السلطة، والهوية الثقافية.
ولفت ميشالون إلى أن فالس ربما وقع في خطأ سياسي عندما ركز على الإنجاز السريع لزيادة رصيده السياسي، متجاهلاً الحاجة إلى بناء ثقة حقيقية مع المستقلين، وهي الثقة التي تتطلب وقتاً أطول والتزامات ملموسة على الأرض.