logo
العالم

لماذا ترفض جبهة تحرير كاليدونيا الجديدة "اتفاق بوجيفال"؟

لماذا ترفض جبهة تحرير كاليدونيا الجديدة "اتفاق بوجيفال"؟
ماكرون ورئيسة جمعية مقاطعة جنوب كاليدونيا الجديدة المصدر: (أ ف ب)
12 أغسطس 2025، 1:41 م

رأى خبراء سياسيون فرنسيون متخصصون في شؤون ما وراء البحار، أن اتفاق بوجيفال حول مستقبل كاليدونيا الجديدة لا يقتصر على كونه وثيقة تفاوضية، بل يمثل نقطة مفصلية في مسار علاقة الأرخبيل بالدولة الفرنسية، بما يحمله من تحديات قانونية وسياسية معقدة يمكن أن تحدد ملامح المرحلة المقبلة لملف الاستقلال.

ويأتي هذا في وقت تستعد فيه جبهة التحرير الوطني الكاناكية الاشتراكية (FLNKS) لإعلان موقفها النهائي من الاتفاق الموقع الشهر الماضي، بعد مفاوضات استمرت عشرة أيام بين الاستقلاليين والموالين لفرنسا، وسط أجواء سياسية محتدمة وخطاب متصاعد من الطرفين.

الاتفاق، الذي وصف من قبل الحكومة الفرنسية ودوائر موالية بـ"التاريخي"، أثار حالة انقسام حادة، إذ يرى مؤيدوه أنه يوفر إطاراً جديداً للاستقرار والتنمية، فيما يراه معارضوه محاولة لإعادة إنتاج السيطرة الفرنسية بصيغة معدلة، من دون منح حق تقرير المصير بشكل كامل لشعب الكاناك.

من جانبه، قال أستاذ القانون الدستوري بجامعة بوردو، وأحد أبرز المتخصصين في قضايا الحكم الذاتي واللامركزية في أقاليم ما وراء البحار فرِديناند ميلان-سُوكرامانيَن لـ"إرم نيوز" إن اتفاق بوجيفال قد يشكل خطوة على طريق "إنهاء الاستعمار المؤسساتي" إذا ما تم تنفيذه بإرادة سياسية صادقة، لكنه في الوقت نفسه لا يلغي جوهر القضية المتمثل في حق تقرير المصير.

وأشار ميلان-سُوكرامانيَن إلى أن الميثاق الأممي والدستور الفرنسي يعترفان بحق الشعوب في تقرير مصيرها، وأن أي اتفاق لا يفتح الباب أمام هذا الحق يظل ناقصاً. 

وأضاف أن الوثيقة الجديدة قد توفر فرصة لإعادة هيكلة الصلاحيات، لكنها لا تمثل نقطة النهاية لمسار "التحرر القانوني والسياسي"، بل هي محطة انتقالية قابلة للتعديل أو حتى النقض إذا لم تحقق الحد الأدنى من مطالب شعب الكاناك.

وأكد الخبير أن التاريخ السياسي لكاليدونيا الجديدة أثبت أن الاتفاقيات المرحلية كثيراً ما تتحول إلى أدوات لإطالة أمد الوضع القائم، ما لم تكن مصحوبة بجدول زمني واضح وخطوات ملموسة نحو السيادة الفعلية.

بدوره، قال أستاذ القانون العام بجامعة كاليدونيا الجديدة، ومتخصص في دراسة العلاقات بين المركز الفرنسي وأقاليم ما وراء البحار ماثياس شوشات لـ"إرم نيوز" إن الاتفاق "تفويض موسّع ضمن الإطار الفرنسي" أكثر من كونه انتقالاً إلى حكم ذاتي حقيقي، مشيراً إلى أنه يقدم نموذجاً لامركزياً مشابهاً للفدرالية، لكن مع بقاء مفاتيح السلطة الأساسية في يد باريس.

وحذر شوشات من أن استمرار تحكم الدولة الفرنسية في الصلاحيات السيادية – مثل العملة والعدالة والأمن – سيجعل الاستقلال الفعلي "شبه مستحيل"، حتى مع وجود مؤسسات محلية تحمل اسم "دولة كاليدونيا الجديدة". 

وأضاف أن الاحتفاظ بآليات التصويت التي تتيح للأغلبية المؤهلة (والموالية غالباً لفرنسا) التحكم في القرارات المصيرية، يُبقي شعب الكاناك في موقع التبعية السياسية.

ويرى الخبير أن رفض FLNKS لهذا الاتفاق لا يمثل تعنتاً، بل هو رد فعل طبيعي على ما يعتبره الاستقلاليون "صفقة غير متكافئة" تكرس علاقة التبعية بغطاء جديد، مؤكداً أن الحل الحقيقي يمر عبر تفاوض ثنائي يحدد بوضوح مسار الوصول إلى السيادة الكاملة.

رفض شبه مؤكد قبل الإعلان الرسمي

وأكد قادة من FLNKS لوسائل الإعلام الفرنسية، أن الجبهة ستكشف الثلاثاء عن موقفها من الاتفاق المبرم منتصف يوليو مع الدولة الفرنسية والموالين لها.

لكن النتيجة تكاد تكون محسومة، إذ إن جميع الأحزاب والنقابات المكوّنة للجبهة أعلنوا بالفعل معارضتهم للنص الموقع في 12 يوليو، بعد عشرة أيام من مفاوضات مكثفة برعاية وزير ما وراء البحار مانويل فالس، بحسب صحيفة "لوموند" الفرنسية.

ما الذي ينص عليه اتفاق بوجيفال؟

ويقترح الاتفاق، الذي تم التوصل إليه في ضاحية بوجيفال قرب باريس، إنشاء "دولة كاليدونيا الجديدة" وجنسية خاصة بها، مع إمكانية نقل بعض الصلاحيات السيادية مثل العملة والعدالة والشرطة.

ورغم وصفه بأنه "تاريخي" من قبل الموالين، فقد أثار غضب الاستقلاليين لأنه لم يتضمن الدعوة إلى استفتاء جديد حول الانفصال عن فرنسا.

أخبار ذات علاقة

سكان محليون يلوحون بأعلام كاناكي في كاليدونيا الجديدة

"اتفاق بوجيفال" على المحك.. حراك فرنسي لإنقاذ مستقبل كاليدونيا الجديدة

 مانويل فالس: "رفض الاتفاق يعني المواجهة"

عبر منشور على فيسبوك، قال مانويل فالس إنه سيزور كاليدونيا الجديدة في الأسبوع الذي يبدأ في 18 أغسطس، مؤكداً أن الاتفاق "ثمرة أشهر من العمل" وأن كل الوفود، بما فيها وفد FLNKS، وقّعت عليه. وأضاف: "رفض الاتفاق هو اختيار طريق المواجهة والفشل للجميع. بدون تسوية، لا إعادة إعمار حقيقية ولا انتعاش اقتصادي".

قيادة الجبهة: "اتفاق يكرّس الاحتقار"

في افتتاح مؤتمر استثنائي للجبهة في ضاحية "لا كونسبسيون" قرب نوميا، دعا رئيس الجبهة كريستيان تين، عبر بيان تلاه أحد الأعضاء، إلى "رفض واضح وصريح" للاتفاق، معتبراً أن بنوده "تجسد احتقار السلطة القائمة لنضالنا كشعب مستعمَر".

وشارك تين، الخاضع للرقابة القضائية والممنوع من دخول الأرخبيل، في المؤتمر عبر الاتصال المرئي.

وكان قد أُفرج عنه في 13 يونيو بعد عام من الحبس الاحتياطي في فرنسا، على خلفية اتهامات بدوره المزعوم في أحداث العنف التي شهدتها كاليدونيا الجديدة عام 2024 وأودت بحياة 14 شخصاً وتسببت بخسائر بمليارات اليوروهات، وهو ما نفاه مراراً.

أخبار ذات علاقة

ماكرون ورئيسة جمعية مقاطعة جنوب كاليدونيا الجديدة

اتفاق "في مهب الريح".. أزمة كاليدونيا الجديدة تشعل الجدل بفرنسا

 نحو حوار "ثنائي" من أجل السيادة الكاملة

وشدد تين على أن الحوار مع الدولة الفرنسية يجب أن يقتصر على "شروط الوصول إلى السيادة الكاملة"، وأن يستمر حتى 24 سبتمبر 2025، كما أقر المؤتمر السابق للجبهة في يناير. وتابع: "علينا استثمار مكامن قوتنا بأفضل شكل ممكن لنيل السيادة الكاملة قبل الانتخابات الرئاسية الفرنسية لعام 2027".

;
logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC