يرى خبيران فرنسيان، أن خطوة الأمين العام لحزب النهضة الفرنسي غابرييل أتال نحو إعادة تعريف الحزب ليست مجرد تعديل اسمي، بل تُعد جزءًا من إعادة تموضع استراتيجي، يهدف إلى فصل المرحلة المقبلة عن إرث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المباشر.
واعتبرا في تصريحات، لـ"إرم نيوز"، أن خطوة أتال تعد بمثابة انقلاب على الحزب وإعادة تنظيمه في هوية جديدة تحمل بصمات أتال، الذي أرسل استبانة إلكترونية إلى أعضاء الحزب، البالغ عددهم 33 ألف شخص، تضمنت مجموعة من الأسئلة حول مستقبل الحزب.
واشتملت استبانة أتال على 10 أسئلة، أبرزها إمكانية تغيير اسم الحزب وقيمه، في خطوة تهدف إلى إعادة تعريف هوية الحركة وجعلها تعكس رؤيته الخاصة، خصوصًا مع اقتراب الانتخابات الرئاسية.
وقال الدكتور لوران بوفيسيه، الباحث في العلوم السياسية بجامعة بوردو والمتخصص في أحزاب الوسط الفرنسية إن "ما نشهده من مشاورات داخل النهضة هو محاولة جادة لإعادة تأسيس هوية الحزب بما يتجاوز رمزية ماكرون، استعدادًا لمعارك انتخابية قاسية، وخاصة الرئاسية القادمة".
ويرى، في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن مبادرة أتال تمثل أول خطوة فعلية نحو فصل المرحلة السياسية المقبلة عن ظل إيمانويل ماكرون"، مبينًا أن الاسم الحالي "النهضة"، على الرغم من حداثته، لم ينجح في ترسيخ ذاته لدى الرأي العام، مما يضع الحزب في موقع ضعيف قبيل المعارك الانتخابية المنتظرة، خاصة الرئاسيات".
ورجح الدكتور بوفيسيه أن أتال يسعى إلى صياغة سردية سياسية جديدة يمكن من خلالها إثبات استقلاليته ورؤيته الخاصة.
وأضاف أن المشكلة البنيوية التي يواجهها الحزب اليوم ليست فقط في الاسم، بل في ارتباطه الشديد بشخص ماكرون، ما يجعل من الصعب على أي شخصية طموحة داخله أن تُفرض كزعيم بديل. من هنا، فإن تغيير الاسم يُعتبر محاولة رمزية وعملية في آنٍ واحد لـ"تحرير" الحزب من تلك الشخصية المحورية.
وذكر بوفيسيه أنه "بمجرد أن يصبح الاسم جديدًا، يصبح من الممكن إعادة توزيع الأدوار داخل الحزب، وبناء هوية جماعية غير مشروطة بالولاء المطلق لماكرون".
ولفت إلى أن توقيت المشاورات ليس اعتباطيًّا، بل يعكس حسابات دقيقة، إذ تأتي هذه الخطوة في لحظة فراغ سياسي نسبي بعد الانتخابات الأوروبية، لكنها أيضًا تسبق الدخول السياسي الحاسم في سبتمبر.
وأوضح بوفيسيه أن ذلك "يمنح أتال هامشًا لإعادة بناء الخطاب الحزبي، وتحفيز القواعد المنهكة، واختبار ما إذا كانت لديه القدرة على لعب دور القائد السياسي على المدى البعيد، لا مجرد وزير شاب وموهوب".
من جهته، قال الدكتور ماتيو دولاكروا، أستاذ السياسات الحزبية في معهد الدراسات السياسية بالعاصمة الفرنسية باريس، إن أتال يسعى إلى طبع بصمته الشخصية على الحركة السياسية عبر تغيير الاسم، في خطوة تُذكّر بتكتيكات الأحزاب الناشئة الباحثة عن تموقع مستقل وجاذب لجيل جديد من الناخبين.
ورأى، لـ"إرم نيوز"، أن غابرييل أتال لا يقوم فقط بتمرين تنظيمي داخلي، بل يخوض معركة رمزية كبرى تتعلق ببناء زعامة مستقبلية وسط فراغ في الوسط الفرنسي.
وأوضح الدكتور دولاكروا أنه بعد أن تراجع الحضور السياسي المباشر لماكرون في الشارع الفرنسي، يبرز أتال كمحور بديل يسعى إلى ترسيخ نفسه كقائد وسط جديد عبر إعادة هيكلة الحزب، مؤكدًا أن تغيير الاسم هنا ليس مجرد تجميل، بل عملية مقصودة لإعادة رسم مشهد الوسط الليبرالي الفرنسي.
وأشار إلى أن استطلاع الرأي الذي أطلق نقاش تغيير الاسم كان كاشفًا لضعف "النهضة" من حيث الانتشار الشعبي، وهو ما يجعل الحزب أشبه بـ"إطار سياسي إداري" أكثر منه حركة جماهيرية فعالة.
وأضاف الدكتور دولاكروا أن ذلك "النقص في الجاذبية الشعبية دفع أتال إلى التركيز على سؤال الهوية الحزبية، ومحاولة خلق "ماركة سياسية" ذات قوة رمزية، قادرة على منافسة أسماء راسخة مثل "فرنسا الأبية" و"التجمع الوطني".
ولفت إلى أن "نجاح هذا التوجه مرهون بمدى قدرة أتال على الجمع بين "الحداثة الشكلية" والتجديد المضموني. إذ لا يكفي أن يُعاد تسمية الحزب، بل يجب أن يصاحب ذلك خطاب سياسي جديد، وتحالفات ميدانية أوسع، وخطوط أيديولوجية واضحة، من دون ذلك، فإن الحزب سيبقى يدور في فلك الماكرونية، حتى لو تغير اسمه".
وتأتي خطوة أتال في سياق تفكير داخلي أطلقه استطلاع رأي أُجري في وقت سابق هذا العام، أظهر أن أقل من ثلث الناخبين يعرفون اسم "النهضة"، بينما تُعرف أحزاب مثل "فرنسا الأبية" والتجمع الوطني" من قبل أكثر من 70% من المستجوبين.
وإذا تم فعلاً تغيير اسم الحزب، فستكون هذه المرة الثالثة خلال 9 سنوات من وجوده، بعد أن تأسس عام 2016 تحت اسم "إلى الأمام!" وهو اختصار يحمل الأحرف الأولى من اسم مؤسسه إيمانويل ماكرون.
وتحول لاحقًا إلى "الجمهورية إلى الأمام" في شهر آب/أغسطس من عام 2017، ثم إلى "النهضة" في شهر أيلول / سبتمبر من عام 2022، بحسب صحيفة " لوموند" الفرنسية.