في قلب الصحراء المالية، حيث تتفاقم التحديات الأمنية وتشتد وطأة "الإرهاب"، لم تعد المعارك تُخاض بالأسلحة النارية وحدها، فالكلمات والصور تحوّلت إلى أدوات حرب موازية، تسعى التنظيمات المتطرفة عبرها إلى بسط نفوذها وتوجيه الرأي العام.
ومع كل تصعيد أمني، تتكثف الحرب الإعلامية، وتتحول الدعاية إلى سلاح لا يقل فتكًا عن البنادق، بل قد يفوقها تأثيرًا في معركة العقول والقلوب.
كيف نواجه الدعاية الإرهابية؟
وذكر موقع "Bamada" المالي الناطق بالفرنسية، في تقرير له، أن "الدعاية تشتد في أوقات النزاع، حيث تلجأ مختلف الأطراف إلى استخدام تقنيات إعلامية تهدف إلى التخويف وزعزعة الروح المعنوية للعدو، إلى جانب السعي لكسب تعاطف ودعم الرأي العام المحلي".
وأشار التقرير إلى تنوع أدوات الدعاية خلال فترات الحرب، من نشر صور جثث الجنود، إلى بث رسائل التهديد، وعرض معدات عسكرية متطورة، كل ذلك لا يندرج ضمن الاستعراض فحسب، بل يُستخدم كأداة نفسية للتأثير على المدنيين، وخلق مناخ من الخوف والقلق.
وفي هذا السياق، صرّح موديبو فوفانا، رئيس جمعية الصحفيين المتخصصين في الإعلام الإلكتروني في مالي، بأن "الدعاية في زمن الحرب تُعد استراتيجية تواصل تهدف إلى تعزيز الوحدة الوطنية، لكنها في ذات الوقت قد تُستخدم من قبل كلا الطرفين لتجريد العدو من إنسانيته".
ويؤكد فوفانا أن "لهذه الدعاية أثرًا نفسيًّا وعاطفيًّا عميقًا على السكان، إذ يمكن أن تؤدي إلى خلق مشاعر الكراهية والرعب والانقسام المجتمعي".
الإعلام التربوي كدرع دفاعي
ويرى عبد اللهي غيندو، منسق منصة "بنبره" والمتخصص في وسائل التواصل الاجتماعي، أن مواجهة الدعاية الإعلامية لا تكون فقط بالرد عليها، بل تبدأ من تعزيز الوعي العام، ويقول: "لمجابهة هذا النوع من الدعاية، بغض النظر عن مصدرها، علينا إطلاق حملات واسعة للتربية الإعلامية. يجب أن نُكسب المواطنين القدرة على فهم كيفية عمل الإعلام، والتمييز بين المعلومة الحقيقية والمضللة".
ويُوصي غيندو كذلك بضرورة تنظيم منصات التواصل الاجتماعي ومراقبتها، مضيفًا: "يجب وضع سياسة واضحة للرقابة على الشبكات الاجتماعية، واتخاذ إجراءات صارمة ضد الصفحات والمنصات التي تروج للدعاية، سواء عبر إغلاقها أو حظرها".
ويخلص كل من فوفانا وغيندو إلى أهمية رفع الوعي الجماهيري، داعين السكان إلى عدم تصديق كل ما يُنشر على مواقع التواصل، خاصة في ظل الانتشار السريع للمحتوى المضلل والموجه.
حرب على الوعي الجمعي
من جانبه، قال الدكتور إبراهيم سيسوكو، أستاذ الإعلام السياسي في جامعة باماكو، في حديثه لـ"إرم نيوز": "ما يجري في مالي اليوم يتجاوز الصراع العسكري التقليدي؛ نحن أمام حرب تستهدف الوعي الجمعي".
ويرى سيسوكو أن الجماعات المتطرفة تستخدم أدواتها الإعلامية ببراعة لزرع الرعب، وفي الوقت نفسه كسب التعاطف، وهو ما يشكل تحديًا جسيمًا في بلد يعاني من ضعف شديد في الوصول إلى المعلومة الموثوقة.
ويُحمّل سيسوكو جزءًا من المسؤولية إلى غياب استراتيجية وطنية فعالة للتواصل، وهو ما يفسح المجال أمام دعاية الجماعات المسلحة للتفوق والهيمنة.
أما الدكتورة فاطيماتا ديالو، الباحثة في قضايا الأمن والمجتمع بمنطقة الساحل الإفريقي، فأكدت، لـ"إرم نيوز"، أن الرد على الدعاية الإرهابية لا يكون فقط عبر إجراءات الرقابة أو التضييق الرقمي.
تقول ديالو: "المواجهة الحقيقية تبدأ ببناء جسور الثقة بين الدولة والمواطن. لا يمكن أن نواجه الدعاية بمجرد الحظر والمنع، بل لا بد من تمكين الناس من فهم الواقع وتحليل ما يُعرض عليهم".
وتُشدد ديالو على أهمية دعم الإعلام المحلي وتثقيف المجتمع: "إذا لم نفهم كيف تُصنع الأكاذيب، فسنهزم بها. ما نحتاجه هو مناعة معرفية، لا مجرد أدوات رقابية عابرة".