رأى المحلل السياسي الخبير في الشؤون الأوروبية، كارزان حميد، أن مسألة السيادة الروسية على شبه جزيرة القرم أصبحت أمرا واقعا يستحيل تغييره، لافتا إلى أن الكرملين يخشى التغيير السياسي المستقبلي في كييف.
وأشار حميد في حوار مع "إرم نيوز" إلى أن الهدنة الروسية المعلنة بين 8 و10 مايو أيار تأتي في إطار ظروف روسية داخلية أكثر من كونها خطوة حقيقية لإنهاء الحرب.
وأكد أن الاقتصاد الروسي نجح في تجاوز صدمة العقوبات الغربية؛ ما منح الكرملين مساحة أكبر للمناورة.
وأوضح أن استمرار الحرب قد يدفع حلفاء أوكرانيا للضغط على الرئيس فولوديمير زيلينسكي لقبول تسوية، رغم ما تحمله من مخاطر على وحدة بلاده.
وتاليا نص الحوار:
الهدنة تأتي ضمن استعدادات موسكو لإحياء احتفالات يوم النصر بشكل استثنائي، في ظل مخاوف الكرملين من هجمات أو إطلاق طائرات مسيّرة انتحارية.
ومن الناحية السياسية يمكن اعتبارها محاولة لتهيئة أجواء تفاوضية، لكن جدية الطرفين في الوصول إلى "اللاحرب" تبقى محل تساؤل.
وفي رأيي، أوكرانيا بحاجة أكبر لهذه الهدنة، خاصة بعد خسارتها كورسك بشكل كامل.
بالفعل، تأثر الاقتصاد الروسي بشدة مع بداية الهجوم العسكري، خصوصا مع انهيار الروبل، لكن روسيا سرعان ما تكيفت مع العقوبات، وسجل اقتصادها نموا فاق مجمل دول الاتحاد الأوروبي.
ورغم ذلك، لا تزال هناك مشكلات مثل التضخم ونقص العمالة الماهرة، لذا فإن بوتين يدرك أن استمرار الحرب مرهق لجيشه واقتصاده، لذلك يدفع باتجاه تسوية تحفظ ماء وجهه وتجنبه تمردا داخليا، كما حدث مع فاغنر قرب كورسك.
العقوبات على روسيا ليست أمرا جديدا. أكثر من 20 ألف عقوبة فرضت منذ بدء الحرب دون أن تغير النظام السياسي، خاصة أن التهديدات المتواصلة أصبحت سلاحا ذا حدين، تؤذي من يفرضها أكثر مما تضغط على موسكو.
وروسيا ليست دولة معزولة، فعلاقاتها مع الصين وآسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية تجعل عزلها دبلوماسيا شبه مستحيل، كما أن ترامب شخصيا يُظهر نوعا من الإعجاب بقدرة بوتين على فرض السيطرة داخليا.
من المستحيل أن يتنازل بوتين عن القرم؛ فالواقعية الجيوسياسية تفرض أن الجزيرة أصبحت جزءا من روسيا، ولا عودة عنها إلا بانهيار الدولة الروسية بالكامل، وهو أمر بعيد الحدوث، وقد يمنح الكرملين للأوكرانيين بعض الامتيازات التجارية كحرية الملاحة، لكن السيادة ستظل روسية.
مسألة الشرعية مرنة.. دستوريا، زيلينسكي لا يزال شرعيا بسبب الأحكام العرفية، رغم انتهاء ولايته رسميا.
لكن إذا أجبر على قبول فقدان القرم والأقاليم الأربعة الأخرى، فسيواجه ضغوطا داخلية وخارجية تهدد موقعه، وقد يعتبر التنازل بمثابة هزيمة وطنية لأوكرانيا.
نعم، بعض العواصم الأوروبية بدأت تلمح لذلك، مع تغير المزاج الغربي العام نحو إنهاء النزاع وتقليل الخسائر الاقتصادية.
اليوم، القرار الأوكراني يُصنع في لندن أكثر منه في كييف، بينما تحاول باريس وبرلين موازنة مواقفهما للحفاظ على مصالحهما المستقبلية.
السيناريو الأقرب هو تسوية تضمن مصالح اقتصادية مشتركة؛ حرية الملاحة، نقل الغاز، اتفاقات استثمارية، مع إبقاء السيادة السياسية للقرم تحت الحكم الروسي.
لذا فإن الكرملين يخشى التغيير السياسي المستقبلي في كييف، وسيصر على تثبيت سيطرته رسمياً مع منح بعض الامتيازات الشكلية لأوكرانيا.