كشف مصدر رفيع المستوى في الخارجية الأمريكية لـ "إرم نيوز"، أن حالة الصدام المحتدمة بين الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان وتيار "الصقور" المقرب من المرشد علي خامنئي، تعود إلى محاولات "الحرس الثوري" إفشال خطوط تفاوض سرية مع واشنطن.
وأوضح المصدر الذي رفض الكشف عن هويته، أن التسريبات الأخيرة بشأن الخلافات الداخلية في طهران، تفجرت إثر سعي فريق تابع لبزشكيان لفتح قنوات اتصال غير مباشرة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإدارته.
وأضاف المصدر أن بزشكيان شرع خلال الأشهر الماضية في تعبيد طرقٍ لتفاوض مباشر ووشيك مع دونالد ترامب، يمهد لاتفاق يقضي ببقاء تخصيب اليورانيوم عند "مستويات آمنة" وضمان سلمية البرنامج النووي، مقابل جدول زمني لرفع العقوبات تدريجياً عن إيران.
وكشف المصدر عن وجود أكثر من خط اتصال غير مباشر بين بزشكيان وترامب، فُتحت بعلم المرشد علي خامنئي ودائرته الضيقة، وعبر وساطات دول عربية وأوروبية. إلا أن هذه المساعي كانت تتعرض لـ"ضربات استباقية" من رموز التيار المحافظ داخل النظام.
ووفقاً للمصدر، عمد المحافظون إلى تقويض هذه الخطوات بأساليب ممنهجة، شملت تسريب معلومات استخباراتية حول سعي طهران لتصنيع سلاح نووي أو رفع سقف التخصيب إلى مستويات قياسية. وتزامن ذلك مع بث رسائل إعلامية متشددة تضع شروطاً تعجيزية لأي اتفاق جديد، بهدف قطع الطريق أمام أي تقارب محتمل مع إدارة ترامب.
وأوضح المصدر أن رسائل "الصقور" المتشددة إلى واشنطن، والتي تزامنت مع مساعي بزشكيان لفتح قنوات اتصال مرنة، تعكس ذروة الصدام بين "الحرس الثوري" والتيار الإصلاحي. فبينما يحاول الفريق الرئاسي صياغة استراتيجية تفاوضية جديدة لإنقاذ الوضع المحلي، يصطدم برفض راديكالي من التيار المحافظ.
ويأتي هذا الانقسام الحاد في وقت تواجه فيه إيران أزمة اقتصادية غير مسبوقة، تفاقمت تداعياتها عقب تفعيل "آلية الزناد" وفرض حزمة عقوبات دولية جديدة، مما جعل حلم الانفراج الاقتصادي مرهوناً بحسم صراع الإرادات داخل أروقة الحكم في طهران.
وكانت قد تحدثت وسائل إعلام أمريكية وإسرائيلية، عما وصف بـ"أحاديث غرف مغلقة" للرئيس الإيراني مسعود بزشكيان مع "حاشيته"، تضمنت انتقادات حادة لإدارة الدولة وشن هجوم على أسلوب القيادة، وتطرقه لما أسماه "الفساد الذي يتحكم بنواصيها"، معددا في هذه المجالس، الأزمات التي تعيشها بلاده، ووصل به الأمر حد تبرئة الولايات المتحدة وإسرائيل من اتهامات بالعمل على إسقاط إيران.
ويقول الباحث في مركز "ستاندرد" للدراسات والأبحاث، الدكتور فرهاد دزه يي، إنّ الوضع داخل إيران يمرّ بحالة تدهور مستمر، في ظلّ الصراع الواضح بين التيار الراديكالي المقرّب من المرشد علي خامنئي، وبين التيار الإصلاحي الذي يقف خلف الرئيس مسعود بزشكيان الذي أصيب بحالة من الإحباط الشديد، بعدما أبلغ المقرّبين منه، أنّه لا توجد أي مفاوضات قريبة مع واشنطن في المرحلة الحالية.
وأوضح دزه يي في تصريح لـ"إرم نيوز"، أنّ التيار المتشدّد لم يكتفِ بالضغط السياسي، بل أقدم على الإطاحة بأقرب مساعدي بزشكيان، وفي مقدّمتهم عبد الناصر همتي ومحمد جواد ظريف، في وقت نشر الرئيس الإيراني، مقالاً له في صحيفة "طهران تايمز"، بعد أن رفضت صحيفة "كيهان" المقرّبة من خامنئي نشرها، والتي جاء فيها أنّه لا مجال لأي مفاوضات قريبة مع واشنطن حول الملفات العالقة، كما تحدّث بأسلوب غير مباشر عن إقصاء مساعديه، في إشارة واضحة إلى حجم الضغوط التي يتعرض لها من داخل النظام.
وبيّن دزه يي أنّ أمام بزشكيان في إدارة السياسة الخارجية آفاقا ضيّقة للغاية، في ظلّ كثرة المطبات والاعتراضات وحقّ النقض الذي تمارسه قيادات "الحرس الثوري" و"الباسيج" المقرّبة من خامنئي، متوقعا أن يظهر هذا المشهد إلى العلن بشكل أكبر، وقد يصل إلى مرحلة الانفجار بين الأطراف المختلفة، إلا أنّه شدّد على أنّ الحلّ والربط في نهاية المطاف يبقى داخل مكتب المرشد الأعلى.
واستكمل أنّ المحافظين، في الوقت الراهن، لا يملكون القدرة الكافية على مواجهة التيار الإصلاحي، لأنّ الشعب الإيراني متعطّش للحرية ويعاني اقتصاديا بشكل لم يحدث من قبل، ولا يرغب في البقاء داخل الإطار الضيّق الذي يفرضه مكتب خامنئي وتوجهاته، مشيرا إلى أنّ أي محاولة للخروج عن هذا المسار، يواجه على الفور من الصقور بالضغط والإقصاء.
واستطرد دزه يي بأنّ بزشكيان يدرك جيداً خفايا المشهد السياسي وسط تعاظم احتمالات المواجهة العسكرية مع إسرائيل ويعلم أنّ طهران اليوم ليست كما كانت قبل 10 سنوات، حين كانت تتحكم بشكل واسع في الملفات العراقية واليمنية والسورية واللبنانية، أما اليوم يدرك الخطر ويتمسك بالذهاب لمفاوضات مما يجعله حتى الآن يستشير ظريف، مهندس الاتفاق النووي العام 2015، على الرغم من إطاحة الصقور بالأخير.