logo
العالم

طهران تشتعل من الداخل.. انقسامات حادة تعصف بحكومة بزشكيان

الرئيس الإيراني مسعود بزشكيانالمصدر: رويترز

تتعرض حكومة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان لضغوط سياسية واقتصادية واجتماعية متزايدة من الداخل؛ ما يهدد بإنهاء مبكر لفترة ولايتها ويفتح الباب أمام انقسامات واسعة داخل صفوفها.

ويشير خبراء ومحللون سياسيون إيرانيون إلى أن هذه الضغوط تنشأ من تفاعلات معقدة بين الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وملفات اجتماعية حساسة، والصراع على المواقع الحكومية، إضافة إلى التداعيات السياسية الناتجة عن القرارات الأخيرة للسلطة التشريعية والتنفيذية.

وشهدت الأيام الأخيرة تقديم عدد من المسؤولين الحكوميين لاستقالاتهم، وهو ما يعكس حالة من الاستياء وعدم الرضا داخل صفوف الإدارة. ويؤكد المحللون أن هذه الانقسامات، إذا استمرت، قد تُقصر عمر الحكومة وتحد من قدرتها على تنفيذ سياساتها الداخلية والخارجية بشكل فعال.

الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية 

ويقول المحلل الاقتصادي الإيراني بهروز حق شناس، إن الضغوط الداخلية ليست مجرد صراعات سياسية على المناصب، بل ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالأوضاع الاقتصادية المتدهورة، وانتشار البطالة، وارتفاع أسعار السلع الأساسية، ما يزيد حدة الانتقادات الشعبية للحكومة.

وأوضح حق شناس لـ"إرم نيوز" أن الملفات الاجتماعية الحساسة، مثل: مسألة الحجاب وبعض القيود، تضاف إلى قائمة التحديات التي تواجه الحكومة؛ ما يزيد تعقيد إدارة الأزمات الداخلية.

تضخيم الانقسامات الداخلية

وأشار إلى أن وسائل الإعلام الإيرانية خصوصًا التي تنتمي إلى التيار الأصولي المتشدد، وكذلك قنوات التواصل الاجتماعي، لعبت دورًا كبيرًا في تضخيم الانقسامات الداخلية، من خلال التركيز على الاستقالات والنقد الموجه للحكومة. كما أسهمت في زيادة الضغط على المسؤولين لتقديم تفسيرات ومواقف واضحة تجاه الملفات الاقتصادية والاجتماعية الحرجة.

ورغم التحذيرات السابقة التي أطلقها الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي مؤخرًا بشأن ضرورة أن يكون النقد "سليمًا وغير مضعف"، واستدعاؤه للمنتقدين لتقديم برامج وحلول عملية قبل الضغط الإعلامي، واصل بعض الإصلاحيين توجيه انتقادات لاذعة للحكومة، واصفين الحالة الحالية بأنها "غياب للحكومة" في تلميح غير دقيق وفق التحليل السياسي العلمي.

وفي هذا الصدد قال حق شناس "لقد سعى الأصوليون المتشددون إلى إبراز الانقسامات الداخلية داخل الحكومة، وهي انقسامات طبيعية تحدث في أي إدارة، إلا أن تحويلها إلى مادة إعلامية مستمرة يعرض الحكومة لمزيد من الهشاشة السياسية، خصوصًا في وقت تواجه فيه ضغوطًا داخلية وخارجية متزامنة".

ورأى أن الحكومة، التي عرفت بسياسة "النقد المقبول"، تحتاج إلى الحفاظ على هذا النهج وتعزيزه، من خلال إرساء آليات احترافية لاستقبال الانتقادات والرد عليها بشكل يميز بين النقد البناء والسياسي غير المنصف".

ووفق رأي حق شناس، فإن "النقد المنصف يمكن أن يكون أداة فعالة لتحديد نقاط الضعف، وتحسين القرارات، وزيادة رضا الجمهور، فيما النقد غير المبرر قد يزيد حدة التوتر السياسي ويؤدي إلى فقدان الثقة في الحكومة".

ظاهرة سياسية جديدة

بدوره، يقول المحلل السياسي مهران رسولي، إن موجة الانتقادات الحالية أعمق وأكثر تعقيدًا مقارنة بالأشهر السابقة.

وأوضح رسولي لـ"إرم نيوز" أن التنسيق غير المسبوق بين الإصلاحيين الراديكاليين والأصوليين المتشددين شكّل ظاهرة سياسية جديدة أسهمت في زيادة الضغط على الحكومة، معتبرًا أن جزءًا من هذه الانتقادات يعكس توقعات غير محققة لبعض الشخصيات السياسية من المشاركة الكبرى في السلطة؛ ما يفسر حدتها وشدتها.

كما أشار إلى أن استخدام تعابير مثل "غياب الحكومة" لا يعكس الواقع الإداري للبلاد، وأن جزءًا من النقد الحالي متأثر بالعواطف السياسية والتنافس الداخلي بين التيارات، وهو ما قد يؤدي إلى تحليلات سطحية أو مضرة، قد تزيد من حدة التوتر وعدم الثقة في المؤسسات الحكومية.

انعكاسات محتملة على السياسة الخارجية

وقالت مصادر دبلوماسية إيرانية: إن هذه الضغوط الداخلية قد تؤثر في قدرة الحكومة على إدارة ملفاتها الخارجية، بما في ذلك أي مفاوضات نووية مرتقبة وكذلك ملف العلاقات الإقليمية.

وأوضحت المصادر لـ"إرم نيوز"، أن استمرار الانقسامات الداخلية قد يضعف موقف إيران في المفاوضات مع القوى العالمية، ويحد من مرونة الحكومة في اتخاذ القرارات الإستراتيجية.

ورأت أنه "في ظل هذه الضغوط المتزايدة، فإن حكومة بزشكيان تواجه اختبارًا حقيقيًّا لاستقرارها السياسي والاجتماعي في كيفية التكيف مع هذه التحديات الداخلية، ونجاحها في إدارة الانقسامات وتلبية مطالب الشعب الاقتصادية والاجتماعية، ستكون العامل الحاسم في استمرار عمرها السياسي أو تعرّضها لانهيار مبكر".

وأشارت المصادر إلى أن "المعركة السياسية لن تؤثر فقط في مصير الحكومة الحالية، بل ستحدد شكل السياسة الإيرانية المستقبلية، بما يتطلبه ذلك من هدوء وانسجام بعيدًا عن النزاعات المرهقة".

من يقود الحملة ضد بزشكيان؟

وأظهر الرئيس بزشكيان مؤخرًا موقفًا حازمًا تجاه هذه الضغوط، مؤكدًا مرارًا أنه "جاء مع فريقه للإصلاح وسيبقى معه إلا إذا طرأت ظروف استثنائية".

وفي أحدث تصريحاته قال: "لن نرحل، لقد جئنا للعمل"، هذا الموقف يعكس عزم الحكومة على متابعة مسار الإصلاح، الذي يعتبره الإصلاحيون طريقًا لتحقيق الاستقرار الاجتماعي والنظام الإداري الفعال.

وقال السياسي الإصلاحي وعضو جبهة البناء علي محمد نمازي، إن "جبهة الصمود الأصولية المتشددة التي يتزعمها سعيد جليلي هي من تقوم بالضغط على حكومة بزشكيان وفريقه".

وخسر جليلي الانتخابات الرئاسية في الجولة الثانية أمام بزشكيان، وهو لطالما كان يُعرف بأنه "يقود حكومة الظل" في الحكومات السابقة.

واعتبر نمازي في حديثه لـ"إرم نيوز" أن "استقالة فياض زاهد من الفريق الإعلامي لحكومة بزشكيان واحتجاجه العلني على تعيين سقاب أصفهاني، أحد المقربين من جبهة الصمود، تكشف أن بعض التعيينات تتعارض مع منطق التخصص والوعود الانتخابية للحكومة".

استسلام سياسي

ولفت إلى أن "تعيين سقاب أصفهاني يمثل استسلاماً سياسياً تحت ضغط جبهة الصمود، وليس مجرد خطأ تكتيكي، وإن تعيينه يُرسل رسالة واضحة بأن الحكومة تتسامح مع نفوذ التيار المتشدد، حتى في قطاع حيوي وحساس مثل إدارة الطاقة، حيث تواجه البلاد تحديات اقتصادية هيكلية كبيرة، بما في ذلك العقوبات والمفاوضات وأزمة تراكم المشكلات".

وأكد نمازی أن هذه التعيينات تنقل صورة مفادها أن الوفاق الوطني لم يعد قائماً على الكفاءة والخبرة، بل أصبح مرهونًا بالضغوط السياسية؛ ما يضر بالثقة العامة ويزيد من إحباط المجتمع من أداء الحكومة.

وتابع أن "التيارات المتشددة تسعى من خلال هذه الضغوط إلى استعادة نفوذها السياسي عبر تشويه صورة الحكومة وإثارة الشكوك حول كفاءة الرئيس والمستشارين والمسؤولين فيها، كما يرون أن الإصلاحات البنكية والمالية، بما في ذلك متابعة ملفات بنك المستقبل (بانك آينده) المنحل ومؤسسة ملل التي تعاني من الإفلاس، أصبحت أداة للضغط السياسي واستفزاز الرأي العام، في حين أن هذه الإصلاحات تعتبر من أولويات الحكومة لتنظيم الاقتصاد ومواجهة مخاطر القطاع المصرفي".

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC