logo
العالم

بسبب ملف المطلوبين.. أزمة ثقة غير مسبوقة بين فرنسا والسنغال

باسيرو ديوماي فاي، رئيس السنغال، وإيمانويل ماكرون، رئيس ف...المصدر: (أ ف ب)

تشهد العلاقات الفرنسية-السنغالية توترًا حادًا على خلفية تعثر إجراءات تسليم مطلوبين سنغاليين من  باريس إلى داكار، في أزمة تتجاوز بعدها القضائي لتلامس مفاهيم السيادة، واستقلال القضاء، ومبدأ المعاملة بالمثل. 

فقد لوّحت الحكومة السنغالية باتخاذ إجراءات انتقامية، معتبرة أن النظام القضائي الفرنسي يعرقل تنفيذ اتفاقية التعاون القضائي الموقعة بين البلدين منذ عام 1974، وهو ما تنفيه باريس بشكل غير مباشر، بحسب مجلة "جون أفريك".

أخبار ذات علاقة

جنود يقومون بدورية على الطريق الرئيسي في بيساو، غينيا بيساو

السنغال تتحرك لمواجهة الانقلاب العسكري في غينيا بيساو

في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني، وجّه رئيس الوزراء السنغالي عثمان سونكو رسالة شديدة اللهجة من داخل البرلمان، مؤكدًا أن "السيادة تفرض المعاملة بالمثل في علاقاتنا مع الدول الأخرى"، ومشيرًا إلى أن أي دولة ترفض تسليم مواطن سنغالي مطلوب ستواجه الإجراء نفسه.

ورغم عدم ذكر فرنسا بالاسم، فإن السياق كان واضحًا، خاصة مع تزامن التصريح مع قرار قضائي فرنسي أثار استياء داكار.

قانون المعاملة بالمثل يتحول إلى ورقة ضغط سياسية

جاء التصعيد السنغالي عقب قرار صادر في 25 نوفمبر عن دائرة التحقيق بمحكمة استئناف فرساي، قضى بتعليق إجراءات تسليم الكاتب الصحفي ورجل الأعمال ماديامبال دياغني، المطلوب في السنغال على خلفية شبهات فساد تتعلق بمشروع ضخم لبناء منشآت قضائية. 

وطلبت المحكمة من السلطات السنغالية تقديم معلومات إضافية قبل البت في الطلب، محددة مهلة تنتهي في 25 يناير/كانون الثاني.

اعتبرت داكار هذا القرار بمثابة "صفعة دبلوماسية"، خصوصًا أن القضية تحظى بحساسية سياسية، بسبب ما يُقال عن علاقات دياغني بالنظام السابق للرئيس ماكي سال. 

أخبار ذات علاقة

 رئيس الوزراء السنغالي عثمان سونكو

وسط غضب شعبي.. "الديون الخفيّة" تهدد استقرار السنغال

وزادت حدة التوتر حين أعلنت وزيرة العدل السنغالية ياسين فال، في 11 ديسمبر أمام الجمعية الوطنية، أن بلادها قررت "تعليق جميع عمليات التسليم إلى فرنسا" إلى حين استجابة باريس لطلبات داكار، مستندة إلى مبدأ المعاملة بالمثل المنصوص عليه في الاتفاقية الثنائية.

هذا التحول من المسار القضائي إلى التصعيد السياسي طرح تساؤلات حول مدى توافق الخطوة السنغالية مع روح الاتفاقيات الدولية، وما إذا كانت الحكومة تخلط بين صلاحيات القضاء ومتطلبات السيادة.

فصل السلطات

في المقابل، شددت مصادر فرنسية على أن المسألة تخضع حصريًا للقضاء المستقل. وأكد فينسنت برينغارث، محامي ماديامبال دياغني، أن "محكمة الاستئناف هي الجهة المخولة قانونًا بتقييم قانونية طلب التسليم، ولا يمكن للسلطة التنفيذية التدخل قبل صدور رأي قضائي". 

وأوضح أن الحكومة الفرنسية، حتى في حال صدور رأي إيجابي، تحتفظ بحق رفض التسليم إذا تعارض مع بنود الاتفاقية الثنائية.

أخبار ذات علاقة

قوات فرنسية

3 سنوات فقط.. فرنسا في "سباق محموم" مع الزمن لبناء جيش يواجه روسيا

وأفاد مصدر دبلوماسي فرنسي بأن "الإدارة لا يمكنها التدخل في مسار قضائي جارٍ"، مضيفًا أن هناك نحو عشرة طلبات تسليم فرنسية قيد النظر حاليًا لدى السلطات السنغالية، في إشارة إلى أن التعاون القضائي لا يزال قائمًا رغم التوتر.

الضمانات الإجرائية في قلب الخلاف

تكمن إحدى النقاط الجوهرية في الخلاف حول الضمانات القانونية التي ستُمنح للمطلوبين في حال تسليمهم؛ حيث طلب القضاة الفرنسيون معلومات دقيقة حول طبيعة الجرائم المنسوبة إلى دياغني، وتواريخها وأماكنها، إضافة إلى النصوص القانونية السنغالية التي تُجرّم هذه الأفعال، فضلًا عن التأكد من احترام "الحقوق والضمانات الإجرائية".

لهذا السبب، قررت محكمة استئناف فرساي تأجيل الجلسة الموضوعية إلى الثالث من فبراير/شباط. ويرى محامي دياغني أن تشديد لهجة داكار قبل هذا الموعد "يدخل الملف في دائرة التسييس"، معتبرًا أن طلب المعلومات لا يمثل بأي حال تدخلًا في سيادة السنغال.

من جهتها، أكدت السفيرة الفرنسية في داكار كريستين فاجيس أن "الإجراءات في السنغال وفرنسا متشابهة: لا تسليم دون قرار قضائي"، مشددة على أنها "لا ترى خلافًا حقيقيًا في هذه القضية".

أخبار ذات علاقة

البرلمان الجزائري

طالب فرنسا بالاعتذار.. البرلمان الجزائري يصادق على قانون "تجريم الاستعمار"

وبينما تصر باريس على أن المسار القضائي يسير وفق الجداول الزمنية المعتادة، ترى داكار أن التأخير يمس هيبة الدولة. 

وبين هذين الموقفين، تبدو أزمة تسليم المطلوبين اختبارًا حقيقيًا لقدرة البلدين على الفصل بين القانون والسياسة، والحفاظ على شراكة تاريخية باتت اليوم على المحك.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC