كشفت بكين عن خطط للاستغناء عن الملاحة عبر الأقمار الاصطناعية "جي بي إس" الأمر الذي يمنحها قدرة تشغيلية كاملة للعمل في بيئات بلا إشارات، في وقت يركز فيه الغرب على تعزيز أنظمة الملاحة الفضائية؛ ما يهدد فعالية الردع الغربي ويقلب معادلات الحرب الكهرومغناطيسية.
وبينما تنشر الصين بوتيرة متسارعة أبحاثًا علمية حول الملاحة المستقلة عن الأقمار الصناعية، فإن المعاهد البحثية والجامعات العسكرية الصينية تجري أبحاثًا تستلهم مثل هذه التقنيات من الطبيعة نفسها، بما في ذلك تقنيات تتبع المسار كما يفعل النمل، والإحساس بالمجال المغناطيسي للأرض على غرار أسماك "السلمون"، إلى جانب تحليل التدفق البصري والحركة كما تعتمد عليه الحشرات لتحديد موقعها.
ويرى الخبراء أن هذه الأبحاث لم تعد نظرية، بل انتقلت إلى الاختبار العملي عبر طائرات مسيّرة وغواصات غير مأهولة قادرة على التنقل من دون أي إشارات فضائية.
إلى جانب ذلك، بحسب "المعهد الأسترالي للسياسات الاستراتيجية"، تعمل الصين على تطوير بوصلة كمية تستند إلى خصائص دوران الذرات، بينما تكشف براءات اختراع صينية عن أنظمة هجينة تمزج بين البيانات المغناطيسية والبصرية.
ويعتقد محللون أن كثافة عمليات النشر العلمي الصينية، وحجم التجارب يشيران بوضوح إلى استعداد صيني لخوض حروب يُفترض فيها أن تكون إشارات الملاحة مشوشة أو معدومة.
في المقابل، لا يزال الاعتماد الغربي شبه الكامل على أنظمة مثل "جي بي إس" يظهر نقاط ضعف بنيوية؛ فالولايات المتحدة وحلفاؤها يركزون جهودهم على تحسين الحماية من التشويش، وتعزيز التكرار والصلابة، لا على بناء بدائل حقيقية مستقلة، وهذا الفارق في المقاربة يخلق اختلالًا استراتيجيًا عميقًا: إذا استطاعت القوات الصينية العمل بسلاسة في بيئة معدومة الإشارات، بينما تتعثر الأنظمة الغربية، فإن ميزان الردع الغربي يتآكل.
ويحذر البعض من أن الخطر لا يقتصر على الأداء العسكري فحسب، بل يمتد إلى إدارة التصعيد؛ إذ لطالما اعتمد الغرب على الحرب الكهرومغناطيسية كأداة لإبطاء الخصم وخلق مساحة للمناورة السياسية، غير أن أنظمة الملاحة المستقلة عن الأقمار الاصطناعية تقوّض هذا المنطق لأن فقدان أدوات التعطيل فعاليتها، يهدد بتراجع القدرة على ضبط وتيرة الصراع؛ ما يزيد مخاطر الانزلاق نحو تصعيد غير محسوب.
في هذا السياق، تصبح ثورة الملاحة الصينية المستقلة سلاحًا صامتًا، لا يُرى في الاستعراضات العسكرية، لكنه يمنح بكين ثقة تشغيلية في بيئات كان يُفترض أنها معادية؛ ما يغيّر حسابات المخاطر في مناطق التوتر، خصوصًا في المحيطين الهندي والهادئ، حيث يعتمد الردع أساسًا على افتراض القدرة على التعطيل والتعمية.