الكرملين: مشاركة الأوروبيين في مفاوضات أوكرانيا "لا تبشّر بالخير"
برز دور الوساطة الصينية في حلحلة النزاع الحدودي الأخير بين تايلاند وكمبوديا، من خلال مسار الدبلوماسية الهادئة وأكثر مؤسسية؛ ما أسهم في تهيئة الظروف لتهدئة مستدامة وتحسين العلاقات بين بانكوك وفنوم بنه.
وبينما وقّعت تايلاند وكمبوديا بيان سلام مشترك أنهى جولة جديدة من النزاع الحدودي، في 26 أكتوبر 2025، بحضور أمريكي رسمي لمراسم التوقيع، غابت فيه الصين عن المشهد، فإن الرئيس الصيني شي جين بينغ سرعان ما أكد لاحقًا أن بكين لعبت دورًا مهمًّا في تسوية الأزمة، في إشارة إلى رغبة صينية محسوبة في إظهار جهودها بعد إنجازها وليس أثناءها.
وفي هذا السياق، برز التباين بين النهجين الأمريكي والصيني؛ فالولايات المتحدة اعتمدت على ضغط سياسي علني عالي المستوى لفرض وقف سريع للأعمال العدائية، بينما لجأت الصين إلى وساطة منخفضة الصوت، قائمة على العمل المؤسسي وبناء الثقة تدريجيًّا.
ويرى الخبراء أن بكين ركزت على إعادة الأطراف إلى طاولة الحوار الثنائي ضمن إطار "آسيان"، بدل فرض حلول مباشرة أو تصدر المشهد الإعلامي.
وكشف "منتدى شرق آسيا"، أن الوساطة الصينية اتخذت شكل تحركات هادئة ومتدرجة، بدأت بمشاورات ثلاثية غير رسمية في شنغهاي، تلتها لقاءات منفصلة أجراها وزير الخارجية الصيني وانغ يي مع نظرائه في تايلاند وكمبوديا، إضافة إلى تنسيق مع أمانة "آسيان"، كما قاد المبعوث الصيني الخاص جولات دبلوماسية مكوكية لتعزيز الالتزام بوقف إطلاق النار ومنع انهياره.
ويعتقد مراقبون أن هذا الأسلوب عكس فلسفة صينية تقوم على "إدارة العملية" لا فرض النتائج، وعلى ترميم العلاقات بدل الاكتفاء بوقف مؤقت للعنف، ورغم أن تأثير هذه الجهود ظل محدودًا في ظل استمرار الإشارات المتباينة من طرفي النزاع، فإنها ساعدت في الحفاظ على قنوات التواصل مفتوحة ومنع التصعيد، خصوصًا في ظل الدور المؤثر للمؤسسة العسكرية التايلاندية في صنع القرار.
وكشف محللون، أن المقارنة بين الدورين الأمريكي والصيني تُظهر اختلافًا في المنطق الاستراتيجي: واشنطن ركزت على السرعة والضغط لتحقيق نتائج فورية، بينما راهنت بكين على الصبر والاستمرارية وبناء مسار طويل الأمد.
ورغم اختلاف الأدوات، فإن النهجين كانا متكاملين وظيفيًّا؛ إذ أسهم الضغط الأمريكي في وقف القتال سريعًا، بينما دعمت الوساطة الصينية ترسيخ آليات تمنع عودة التصعيد.
ورجح البعض أن تجربة الأزمة التايلاندية-الكمبودية كشفت حساسية تدخل القوى الكبرى في جنوب شرق آسيا، حيث تحرص الدول على حماية استقلال قرارها وتجنب الانجرار إلى صراعات نفوذ.
وفي هذا الإطار، حاولت الصين تقديم نفسها كوسيط غير تصادمي، يعمل من داخل الأُطر الإقليمية لا فوقها، مع الحفاظ على مبدأ عدم التدخل.
ويكشف النجاح النسبي في تهدئة الأزمة أن الوساطة الصينية الهادئة والمؤسسية، رغم بطئها، قد تكون أكثر قابلية للاستدامة من الضغط السياسي العلني، وأن استقرار جنوب شرق آسيا بات يعتمد على استراتيجيات طويلة النفس، لا على حلول سريعة فقط.