في خطوة نادرة من جانب الصين، أخرج "احتلال" الجماعة المتمردة "إم 23" جزءا من أراضي الكونغو الديمقراطية، بكين عن موقفها الحيادي من الصراعات الأفريقية؛ حيث سمّت رواندا بالاسم في قضية التدخل عسكريا في شؤون جارتها.
وعلى مدى عقود، نأت الحكومة الصينية بنفسها عن الإدلاء بمواقف منحازة لأحد الأطراف في النزاعات الأفريقية. وعندما حدثت سلسلة كاملة من الانقلابات في منطقة الساحل منذ عام 2020، ظلت الصين صامتة، وجاء التعليق الوحيد على لسان المسؤولين الصينيين، هو أن "بكين ترى أن الجهة المسؤولة عن وقف إراقة الدماء هي الأمم المتحدة أو الاتحاد الأفريقي".
لكن "كسرت القاعدة" هذه المرة، حيث طالب مبعوث الصين لدى الأمم المتحدة، رواندا بالتوقف عن التدخل في جمهورية الكونغو الديمقراطية وإجبار جماعة "إم 23" المتمردة على مغادرة البلاد.
وفي مناسبة سابقة منذ بداية العام الحالي، دعا الدبلوماسي الصيني رواندا إلى الأخذ في الحسبان موقف المجتمع الدولي ورفض تقديم المساعدة العسكرية للمتمردين الذين استولوا على جزء من أراضي الكونغو الديمقراطية؛ مما أدى إلى حدوث أزمة إنسانية هناك. كما صوتت الصين لصالح قرار في مجلس الأمن الدولي يدين رواندا بسبب تدخلها في شؤون جارتها.
غير أن الانحياز المباشر، يخفي حسابات الربح والخسارة، في ظل قيام الشركات الصينية باستخراج المعادن في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
ومن المعروف أن تحركات الصين تستهدف حماية مليارات الدولارات من الاستثمارات في الموارد المعدنية في الكونغو، حيث تقوم الشركات الصينية باستخراج المعادن من المناجم التي طُورت فيها رواسب خام الكولتان، وهي مادة خام مهمة تستخدم في إنتاج الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة والمعدات الطبية، علما أن 80 بالمئة من الاحتياطي من المادة يتواجد في أفريقيا، خاصة في الكونغو الديمقراطية.
وظلت بكين منذ تجدد الصراعات في شرق البلاد عام 2021، تسير على خط دبلوماسي مشدود محاولة الحفاظ على علاقات وثيقة مع كلا الجانبين في النزاع اللذين زودتهما بمختلف الأسلحة على مر السنوات.
وبالنسبة للزعماء المسلحين ضمن حركة أم 23 المنتمين إلى عرقية التوتسي برروا حملهم للسلاح بدفاعهم عن حقوق الأقليات المضطهدة من جانب كينشاسا.
وزودت الصين رواندا، بالأسلحة على مدار 20 عاما، حيث اشترت مدرعات صينية ومدافع وصواريخ مضادة للدبابات، في مقابل، جيش الكونغو الديمقراطية، الذي يمتلك مدرعات قتالية صينية ودبابات وأنظمة استطلاع جوي دون طيار، كما أنه استخدم طائرات دون طيار صينية في معاركه ضد المتمردين.
وتستثمر الشركات الصينية أيضا في استخراج مادة الكوبالت، وهي مادة خام أخرى تشتريها من جمهورية الكونغو الديمقراطية، لكن المناجم تقع في جنوب البلاد، بعيدا عن مناطق الاشتباكات.
كما كشف خبراء الأمم المتحدة في ديسمبر 2024، أن جماعة إم 23 كانت تقوم بتهريب الكولتان إلى رواندا، ومن عام 2022 إلى عام 2023، ارتفعت صادرات الكولتان من رواندا بنسبة 50 بالمئة مع أنها دولة غير منتجة لها.
وسلطت صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية على مفارقات الموقف الصيني، حيث أشار المدير العلمي لمعهد الصين وآسيا الحديثة في الأكاديمية الروسية للعلوم، ألكسندر لوكين، إلى أن "الصين تحرص على عدم التدخل في النزاعات بين الدول النامية"؛ ففي الأصل، تمتلك علاقات جيدة مع الجميع، وتسعى لتكون زعيمة العالم الجنوبي، وكلا البلدين ينتميان إلى هذه الفئة حسب قوله للصحيفة.
واستدرك لوكين "لكن في هذه الحالة، تأكد أن روندا أرسلت جنودا إلى الكونغو الديمقراطية، التي هي أكبر كثيرا من حيث المساحة والسكان مقارنة برواندا، لكن إدارتها سيئة". واسترسل: "بسبب الوجود الكبير للأعمال الصينية في الكونغو، قررت بكين دعمها". كما أن الكونغو تحتل مكانة بارزة في أفريقيا من حيث حجم الاستثمارات الصينية.
ولفتت الصحيفة الروسية إلى "ضرورة عدم إغفال توازن القوى في القارة السمراء، حيث أصبحت الصين المستثمر الرئيس في العديد من الدول هناك".