الكرملين: مشاركة الأوروبيين في مفاوضات أوكرانيا "لا تبشّر بالخير"
في قلب روسيا اليوم، يتكشَّف فصل جديد من لعبة السلطة؛ فنظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يستبدل الأوليغارشية والتكنوقراط التقليديين بطبقة جديدة من "المحاربين المخلصين"، في نسخةٍ حديثة من تطهيرات ستالين التاريخية.
وكشفت "فورين أفيرز"، أن الانتحارات الغامضة والتوقيفات الواسعة للمسؤولين الكبار تكشف عن هدف واحد يتمثّل في تحويل النخبة إلى طبقةٍ خاضعة بالكامل، خائفة وملتزمة بلا شروط، بينما يتولَّى جيلٌ جديد من المحاربين المناصب الأساسية.
وبحسب المجلة الأمريكية، اختار رومان ستاروفويت، وزير النقل السابق، الانتحار بعد ساعات من إقالته، في رسالةٍ صامتة إلى من تبقّى من النخبة بأن الولاء وحده لم يعُد كافيًا، أما أرتيم جوغا، الذي فقد ابنه في الحرب، فقد أصبح رمزًا للجيل الجديد؛ إذ تمت ترقيته سريعًا إلى منصب ممثل بوتين في المنطقة الأورالية، رغم افتقاره لأيّ خبرة إدارية، وهذا النمط يعكس استراتيجية الكرملين "ترقية المحاربين وتهميش النخب القديمة، حتى لو كانوا ذوي خبرة وكفاءة".
ويذكر مراقبون أنه وحتى بالنسبة لأكثر أعضاء النخبة السياسية الروسية خبرة، كان من الصعب تفسير انتحار رومان ستاروفويت؛ فمن جهة، لم يُوجَّه له أي اتهام رسمي بعد، ومن جهة أخرى، بدا واضحًا أنه اختار الموت بدل السجن، ومع ذلك، حضر عدد من الشخصيات البارزة جنازته، من بينهم حاكم سانت بطرسبرغ ألكسندر بيغلوف، وسابقًا شارك عدد من أعضاء الحكومة ونواب الوزراء في مراسم تأبينه بموسكو، ونقلت وكالات الأنباء الرسمية أن بوتين كان من المقرر أن يرسل إكليلًا للزهور، لكن سرعان ما تراجعت عن هذا التقرير.
هذا التباين بين حضور المراسم والتقارير الرسمية أعطى شعورًا بالإحراج والخوف بين الحاضرين، هل كانوا قد تصرفوا بشكل صحيح بإظهار الاحترام لشخص فقد ثقة الرئيس؟ الحقيقة أن ستاروفويت وقع ضحية حملة لمكافحة الفساد واسعة النطاق في منطقة كورسك قرب أوكرانيا، حيث كان يشغل منصب الحاكم حتى ربيع 2024، واعتبارًا من ديسمبر من ذلك العام، تورط عدد من زملائه ومرؤوسيه في اختلاس أموال مخصصة للدفاع العسكري، بما في ذلك 19 مليار روبل (حوالي 250 مليون دولار) كانت مخصصة لتعزيز الدفاعات على الحدود الأوكرانية — وهي أشياء لا يغفرها بوتين عادة.
ويرى الخبراء أن السياسة الدفاعية والعسكرية في روسيا تشهد تحولًا مماثلًا؛ فوزارة الدفاع، وزعامات المناطق الحدودية، وحتى قطاعات النفط والغاز، جميعها شهدت تصفيات واسعة، تُبرز أن الحرب لم تعُد خارجيةً فحسب، بل أداة للسيطرة الداخلية على النخبة.
من جهة أخرى، يحتفظ النظام بالتكنوقراط الماليين فقط؛ إذ لا يمكنه الاستغناء عن خبرتهم للحفاظ على استقرار النظام المالي، بينما يتمُّ استبعاد البقية أو استبدالهم بالمحاربين المخلصين.
وتذكر المجلة أن الولادة الجديدة لهذه الطبقة العسكرية والسياسية ليست مجرد تغيير في المناصب، بل تحول استراتيجي كامل في بنية السلطة الروسية، التي تلتهم منظومة بوتين نفسها، وتُعيد تشكيل المجتمع السياسي حول الولاء، الخوف، وامتيازات المحاربين، وبذلك، ينتهي زمن الأوليغارشية ويبدأ عهد طبقة المحاربين، طبقة لها سلطة مستقبلية، لكنها وُلدت في زمن الخوف.