قالت صحيفة "التايمز" إن موجة انتحار المسؤولين الروس، خصوصًا رجال الأعمال، أثارت أخيرًا اهتمامًا وشكوكًا عالميين واسعين، كما كشفت عن أزمة تتفاقم ببطء داخل صفوف النخبة الروسية.
وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن "بعض هذه الوفيات كانت انتحارات حقيقية دون شك، إلا أن هناك أسبابًا وجيهة للاعتقاد بأن بعضها الآخر لا يندرج ضمن هذا التصنيف، ما يفتح الباب أمام تفسيرات مغايرة لما تُعلَن رسميًا".
ورغم بروز مزاعم تتحدث عن عمليات "تطهير" داخل الكرملين، ترجّح الصحيفة أن الأمر لا يتعلّق بذلك بالضرورة، بل يُحتمل أن يكون انعكاسًا لتصاعد صراعات عنيفة داخل النخبة الحاكمة، على حد قولها.
وتعد واقعة انتحار وزير النقل الروسي المُقال حديثًا، رومان ستاروفويت، الحلقة الأحدث في هذه السلسلة، واعتبرت الصحيفة أن هذه الحادثة تُعد مؤشرًا إضافيًا على تزايد حدة التنافس الداخلي بين أقطاب النظام الروسي، وفق تعبيرها.
وفيما يستفيد بعض رجال الأعمال من اقتصاد الحرب، إلا أن آخرين يعانون بشدة، خصوصًا مع تصاعد وطأة العقوبات الدولية، وبلوغ سعر الفائدة 20%، إضافة إلى عجز متضخم في الميزانية، ما يدفع البعض إلى العودة لأساليب كانت سائدة في "التسعينيات الجامحة"، عندما كانت روسيا تتأقلم بشكل فوضوي مع اقتصاد السوق بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، بحسب التقرير.
وذكرت الصحيفة أنه تم العثور على جثة رومان ستاروفويت، وزير النقل الروسي المُقال، يوم الاثنين، قرب سيارته في ضواحي موسكو، بعد ساعات فقط من إقالته بمرسوم رئاسي.
وقال المحققون إن ستاروفويت، فور علمه بقرار فصله، قاد سيارته إلى موقع الحادثة وانتحر باستخدام مسدس سبق أن حصل عليه كمكافأة على خدماته للدولة. ومع وجود تكهنات بوجود شبهة جنائية، خصوصًا بسبب بعض التناقضات الزمنية في رواية المحققين، إلا أن المرجح حتى الآن، وفق الصحيفة، أنه أقدم على الانتحار بالفعل.
وأوضحت "التايمز" أن ستاروفويت شغل سابقًا منصب حاكم منطقة كورسك، وهي المنطقة التي كانت مسرحًا لهجوم أوكراني في العام الماضي، وهو ما يُعتقد أنه أثار استياء بوتين، على حد قولها.
ووفق تقارير، فإن خُمس المخصصات المالية التي بلغت 20 مليار روبل والمخصصة لبناء دفاعات حدودية في المنطقة قد تم اختلاسها، إذ ألقت السلطات القبض على خليفة ستاروفويت، أليكسي سميرنوف، في أبريل/نيسان الماضي، ووردت معلومات بأنه كان مستعدًا للتخلي عن دعم راعيه السابق.
وأشارت الصحيفة إلى أن ستاروفويت، بمجرد سماعه خبر الإقالة، التي اعتُبرت تمهيدًا لاعتقاله الوشيك، فضّل الانتحار على مواجهة محاكمة مهينة وسنوات طويلة في السجن.
وأضافت "التايمز" أن اختلاس الأموال من مشاريع المشتريات العامة يُعد ممارسة شائعة في روسيا، وتُعرف هذه الظاهرة باسم "روسبيل"، أي "الحصول على حصتك" من المال العام، إذ يُعد اقتطاع نسبة 20% من الأموال المخصصة للأشغال أمرًا معتادًا.
واختتمت الصحيفة تقريرها بالإشارة إلى أن هذه الحادثة، إلى جانب قضايا أخرى مشابهة، من بينها اعتقال ملياردير بارز في قطاع الذهب أخيرًا، تكشف أن النخب الروسية باتت مجبرة على التكيّف مع واقع جديد أكثر قسوة وغموضًا.
وفي ظل تغير المعايير والمفاهيم المتعلقة بما يمكن الإفلات منه أو لا، لا يبدو أن أحدًا في الداخل الروسي بات متأكدًا من الخطوط الحمراء الجديدة، بحسب ما جاء في التقرير البريطاني.