تقدمت القوات الروسية خلال شهر مايو 2025 كالإعصار، مكتسحة مواقع إستراتيجية من الشمال الشرقي إلى الجنوب، لتطرق، الآن، أبواب مقاطعة "دنيبروبتروفسك" والتي يُنظر إليها كقلب أوكرانيا الصناعي والعسكري، بينما كانت أوكرانيا تترنح تحت وطأة هجمات مكثفة، وفي وقت يتهاوى فيه الدعم الغربي تدريجيًا،
وخلال شهر واحد فقط، نجحت روسيا بفرض سيطرتها على عدة بلدات في محيط دونيتسك وخاركيف، ووسعت هجماتها على محاور زاباروجيا وخيرسون، لكن التحول الأخطر جاء مع اقتراب القوات الروسية من دنيبروبتروفسك، وسط بيانات وزارة الدفاع الروسية.
ومع تراجع خطوط الدفاع الأوكرانية، وتزايد الخسائر في صفوف نخبة الجيش، تتساءل العواصم الغربية عن جدوى الدعم المستمر، خاصة في ظل تراجع المخزون الإستراتيجي من الذخيرة لدى كييف.
وما يُرسم، الآن، على الأرض من خاركيف إلى دنيبرو لا يترك مجالاً للشك، إلا أن هناك تساؤلات حول هل ترسم خطوط النار خدود روسيا الجديدة، ومدى قدرة القوات الروسية على حسم المعركة ميدانياً واستغلالها في المفاوضات المزعم عقدها.
وأكد الخبراء السياسيون في الشؤون الروسية، أن موسكو باتت تمسك بزمام المبادرة سياسيًا وعسكريًا في الحرب الدائرة مع أوكرانيا، مستفيدة من التفوق في العتاد والعدد، في مقابل تراجع القدرات الأوكرانية، وارتفاع الخسائر البشرية.
واعتبر الخبراء في تصريحات لـ"إرم نيوز" أن الفجوة بين الخسائر وجهود التعبئة في أوكرانيا تعكس خللًا إستراتيجيًا يصب في مصلحة موسكو، التي تواصل التقدم بثبات على عدة جبهات دون الحاجة إلى تعبئة عامة.
وأضاف الخبراء أن موسكو تتحرك، حاليًا، لتفكيك الجبهة الأوكرانية والسيطرة على مناطق حيوية مثل دونباس وخاركيف، وسط مؤشرات على أن الوصول الروسي إلى الضفة الغربية لنهر دنيبر قد يؤدي إلى انهيار المنظومة العسكرية الأوكرانية.
ورجح الخبراء أن استمرار العمليات العسكرية بهذا الزخم قد يدفع أوكرانيا إلى فقدان المزيد من الأراضي، وهو ما قد يفضي إلى سيناريو التفكك الداخلي.
وقال محمود الأفندي، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، إن زمام المبادرة السياسية والعسكرية بات بيد القوات الروسية، مؤكدًا أن موسكو تحقق تقدمًا ملحوظًا على مختلف الجبهات، في ظل معاناة أوكرانيا وحلفائها من نقص حادٍ في الأسلحة والذخائر، إلى جانب تراجع في القدرات البشرية والخسائر المرتفعة يوميًا.
وأضاف، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن أوكرانيا تسجل خسائر تُقدر بنحو 30 ألف قتيل ومصاب بجراح خطيرة، ولا تتجاوز جهود التعبئة العسكرية لديها 20 إلى 25 ألف مجند، ما يعكس فجوة كبيرة في العدد والعتاد، ويمنح القوات الروسية تفوقًا واضحًا.
وأوضح الأفندي أن روسيا، في هذه المرحلة، هي من تقرر مصير استمرار الحرب أو توقفها، مشيرًا إلى أن موسكو تعمل على تفكيك الجبهة العسكرية الأوكرانية، بهدف السيطرة الكاملة على إقليم دونباس.
ولفت إلى أنه إذا تمكنت القوات الروسية من الوصول إلى الضفة الغربية لنهر دنيبر، فإن القدرات العسكرية الأوكرانية ستنهار كليًا، بسبب انقطاع خطوط الإمداد عن القوات المتمركزة في دونباس ولوغانسك، مما سيشكل كارثة كبرى على الجيش الأوكراني.
وأشار إلى أن أوكرانيا فقدت وحدات النخبة خلال محاولتها الفاشلة التوغل في منطقة كورسك الروسية، مؤكدًا أنه لو بقيت تلك القوات على الجبهة، لما تمكنت روسيا من تحقيق هذا التقدم السريع.
وأكد الأفندي أن روسيا تسيطر، حاليًا، على نحو 20% من الأراضي الأوكرانية، وعلى الرغم من أنها تخوض حرب استنزاف دون إعلان تعبئة عامة، فإنها نجحت في استقطاب ما بين 50 إلى 60 ألف متطوع ضمن حملة واسعة لنشر مفهوم "الدفاع عن الوطن"، وأن خيوط اللعبة، الآن، كلها في يد روسيا.
في الوقت نفسه، قال نزار بوش، أستاذ العلوم السياسية في جامعة موسكو، إن فشل الهدنة التي طرحها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في التاسع من مايو، تزامن مع بدء القوات الروسية تنفيذ هجمات واسعة وتصعيد الضربات ضد المواقع الأوكرانية، ليس فقط على الحدود، بل في عمق الأراضي الأوكرانية.
وأضاف، في تصريحات لـ"إرم نيوز" أن الجيش الروسي يحقق تقدمًا في دونيتسك، حيث سيطر على عدد من البلدات، وكبّد القوات الأوكرانية خسائر كبيرة في العتاد والمعدات، خاصة في زاباروجيا وخيرسون.
وأوضح بوش أن هذه التحركات الميدانية تتواكب مع مفاوضات إسطنبول بين الجانبين الروسي والأوكراني، مؤكدًا أن كل مكسب ميداني تحققه روسيا يعزز من أوراق الضغط التي تحملها على طاولة التفاوض.
وأشار الخبير في الشؤون الروسية، إلى أن تعنت الجانب الأوكراني دفع موسكو إلى تسريع عملياتها، بما في ذلك توجيه ضربات موجعة لمخازن الأسلحة ومواقع الانتشار الأوكراني على طول الجبهة، لافتًا إلى أن الجيش الروسي بدأ، مؤخرًا، بمهاجمة مدينة سومي، التي سبق أن انطلقت منها القوات الأوكرانية للسيطرة على مقاطعة كورسك، والتي تمكنت القوات الروسية من استعادتها مؤخرًا.
وأضاف أن سومي، الآن، شبه محاصرة، وتتكبد القوات الأوكرانية فيها خسائر بشرية كبيرة قد تصل إلى المئات، مشددًا على أن هذه النجاحات العسكرية تعزز من الموقف الروسي، خاصة بعد سيطرة موسكو على مناطق واسعة من خاركيف.
وقال إن روسيا باتت تتحكم في زمام المبادرة عسكريًا وسياسيًا، وهي، الآن، تقترب من مقاطعة دنيبروبتروفسك ذات الأهمية الإستراتيجية، إذ تشكل خط تماس مباشر مع دونيتسك.
وأضاف: "إذا تم التوصل إلى حل سياسي وتوقفت المعارك، ستكون النتيجة في صالح أوكرانيا، أما إذا فشلت المفاوضات، فستفقد أوكرانيا المزيد من الأراضي، ما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى تفككها، وهو ما قد يخدم بعض الأطراف الأوروبية التي دعمتها على مدار أكثر من 3 سنوات، فكلما طالت الحرب، زادت خسائر أوكرانيا".