تتحرك الولايات المتحدة نحو خيار عسكري غير مسبوق في أوكرانيا، عبر التنسيق مع حلفائها الأوروبيين لنشر قوات بريطانية وفرنسية وألمانية وبولندية غرب نهر دنيبر.
وكشف المبعوث الأمريكي الخاص إلى أوكرانيا، كيث كيلوغ، أن واشنطن تخوض مشاورات متقدمة لتثبيت وجود عسكري غربي دائم في قلب الجغرافيا الأوكرانية، تحت مسمى "قوات الردع".
وأوضح كيلوغ في مقابلة مع شبكة "فوكس بيزنس" أن القوات المقترح نشرها لن تتواجد في مناطق التماس، بل ستكون متمركزة في مواقع استراتيجية غرب النهر، مؤكدًا أن الغرض من وجودها ليس حفظ السلام، بل لردع روسيا.
من جانبه، لم ينفِ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هذه النية، بل أكد خلال زيارته إلى كييف أنه لا يستبعد نشر آلاف الجنود الغربيين في أوكرانيا، ضمن ما أسماه "مبادرة فرنسية – بريطانية" مستقلة عن حلف الناتو.
ومن جهته، الموقف الروسي لم يتأخر في التصعيد، واعتبرت موسكو هذا التوجه إعلانًا مبطنًا لاحتلال أجنبي، وتحذر من أن أي وجود لقوات أطلسية على الأراضي الأوكرانية سيقابل برد عسكري مباشر.
وشدد الكرملين على لسان المتحدث باسمه دميتري بيسكوف، شدد على أن روسيا لن تقبل بتمدد البنية العسكرية الغربية قرب حدودها.
وأكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن هذه الخطط تقوض فرص التوصل إلى تسوية سياسية، معتبرا أن نشر هذه القوات سيخلق "وقائع ميدانية" تدفع الغرب لرفض الحلول الدبلوماسية.
وعن دلالات وتداعيات هذه الخطوة الأمريكية الأوروبية، يرى الخبراء في الشؤون الروسية، أن الحديث عن نشر قوات أوروبية أو بريطانية داخل الأراضي الأوكرانية، خصوصًا غرب نهر دنيبر، لا يزال مبكرًا في ظل غياب مفاوضات حقيقية بين موسكو وكييف بشأن وقف إطلاق النار، مشيرين إلى أن أي خطوة في هذا الاتجاه دون موافقة روسيا قد تُشعل مواجهة مباشرة معها وتوسّع دائرة الصراع.
وأضاف الخبراء أن روسيا لا تمانع مبدئيًّا وجود مراقبين أو قوات حفظ سلام في المستقبل، بشرط أن يكون ذلك ضمن إطار تسوية شاملة تنهي النزاع، لا مجرّد تجميده.
نوّه الخبراء في تصريحات، لـ"إرم نيوز"، إلى تجارب سابقة شهدت اختراقات أمنية من قبل بعض البعثات الأوروبية في دونباس، استُخدمت معلوماتها في عمليات عسكرية ضد قادة المعارضة الموالين لروسيا.
ورأى الخبراء أن موسكو لن تقبل تحت أي ظرف بنشر قوات تابعة لحلف الناتو في أوكرانيا، معتبرين أن هذه الخطوة ستكون بمثابة خط أحمر قد يؤدي إلى تصعيد إقليمي واسع.
قال سمير أيوب، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، إن الحديث عن نشر قوات غربية داخل أوكرانيا، سواء في غربها أو شرقها أو حتى على حدودها الشرقية مع بولندا، لا يزال سابقًا لأوانه طالما لم تبدأ مفاوضات جادة بين روسيا وأوكرانيا بشأن وقف الصراع الأطلسي-الروسي.
وأوضح أيوب في تصريحات، لـ"إرم نيوز"، أن موسكو حذّرت مرارًا من أن وجود أي قوات أجنبية، سواء لحفظ السلام أو للمراقبة، على الأراضي الأوكرانية دون موافقتها، سيُعد تصعيدًا مباشرًا ضدها ويؤدي إلى توسيع نطاق العمليات العسكرية.
وأضاف أن واشنطن، حين تناقش هذه المسألة، لا يمكنها اتخاذ قرار نهائي بشأنها دون التشاور مع روسيا أو التوصل إلى اتفاق معها.
ورأى أيوب أن موسكو قد تقبل مستقبلاً بوجود بعض هذه القوات، لكن بشروط، أبرزها أن تكون جزءًا من خطة شاملة لإنهاء النزاع، لا مجرد حل جزئي أو تجميد مؤقت للصراع.
وذكّر بتجربة روسيا السابقة مع وجود مراقبين أوروبيين في منطقة دونباس، والذين تبين لاحقًا أنهم نقلوا معلومات استخباراتية إلى الجانب الأوكراني، ما ساعد الجيش الأوكراني على تنفيذ عمليات عسكرية وتصفيات في صفوف قادة المعارضة في دونيتسك ولوغانسك.
وأشار أيوب إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يسعى إلى إيجاد مدخل لاستئناف المفاوضات، فتارة يلوح بإمكانية نشر قوات أوروبية، وتارة أخرى يؤكد أن تزويد أوكرانيا بالأسلحة قد يؤدي إلى نهاية الصراع، ولكنه، في الوقت نفسه، يعترف بوجود قوات روسية في أربع مقاطعات أوكرانية.
وأشار إلى أن ترامب يبدو وكأنه يوافق ضمنيًّا على بقاء القوات الروسية وانضمام تلك المناطق إلى روسيا، وربما يرى في ذلك قاعدة يمكن البناء عليها لبدء مفاوضات جادة.
وعن مسألة نشر قوات أوروبية في أوكرانيا، استبعد أيوب هذا السيناريو في ظل استمرار العملية العسكرية الروسية منذ 3 سنوات، وما تسببت به من خسائر اقتصادية وبشرية لموسكو، إلى جانب العقوبات المفروضة عليها.
وشدد على أن موسكو، وخاصة عبر تصريحات نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي ديميتري ميدفيديف، كانت واضحة في اعتبار أي قوات أجنبية تدخل الأراضي الأوكرانية هدفًا مشروعًا للصواريخ الروسية، ما ينذر بتوسيع رقعة الحرب إلى خارج حدود أوكرانيا.
وأضاف أن تلك القوات المحتملة، سواء كانت فرنسية أو ألمانية أو بولندية أو من دول البلطيق، كلها تُعد خصومًا لروسيا، وأي احتكاك بينها وبين القوات الروسية سيقود إلى حرب شاملة، مما يجعل اتخاذ قرار بنشرها دون موافقة روسيا أمرًا محفوفًا بالمخاطر.
من جانبه، قال بسام البني، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، إن موسكو ترفض أي وجود لقوات أجنبية على الأراضي الأوكرانية تحت مسمى "قوات حفظ السلام" سواء في غرب أو شرق نهر دنيبر.
وأكد البني في تصريحات، لـ"إرم نيوز"، أن التوصل إلى وقف لإطلاق النار يتطلب أولًا مفاوضات للاتفاق على التفاصيل التقنية والآليات المتعلقة بالهدنة، تمهيدًا لوضع خطة مراقبة قابلة للتنفيذ.
وشدد المحلل السياسي على ضرورة وجود آليات واضحة لمراقبة الالتزام بوقف إطلاق النار، تتضمن محاسبة الطرف المنتهك وفرض عقوبات مناسبة عليه.
وكشف البني أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لن يشارك في المفاوضات المزمع عقدها في تركيا، معتبرًا أن وقف إطلاق النار لا يزال بعيد المنال، رغم وجود حالة من التفاؤل الحذر داخل موسكو.
ورجح الخبير في الشؤون الروسية، أن تفشل مفاوضات إسطنبول في تحقيق أي اختراق، ما لم تمارس الولايات المتحدة ضغوطًا جدية على أوكرانيا للتنازل عن المقاطعات الأربع التي ضمّتها روسيا دستوريًّا، إضافة إلى شبه جزيرة القرم، وأن هذه الحالة فقط التي يمكن الحديث فيها عن استعداد روسي فعلي للتهدئة والدخول في مسار تفاوضي جاد.