مع اقتراب الحرب في أوكرانيا من عامها الرابع، تتبلور مجموعة من الاتجاهات العسكرية الحاسمة التي لا تقتصر آثارها على ساحة القتال الأوكرانية فحسب، بل تمتد لتطال الأمن الأوروبي وحسابات حلف شمال الأطلسي.
ويكشف مسار التطورات حتى عام 2025 عن تصعيد نوعي تقوده موسكو، يقابله تكيف أوكراني متزايد يعتمد على الابتكار غير المتكافئ وتوسيع نطاق الضربات، بحسب صحيفة "أوراسيا ريفيو".
في ربيع عام 2025، تمكنت القوات الروسية، بدعم مباشر من وحدات نخبوية تابعة للفيلق الحادي عشر الكوري الشمالي، من استعادة مدينة كورسك، منهية بذلك أحد أهم أوراق الضغط التي كانت تمتلكها كييف.
فقد شكّل هذا الجيب ورقة ردع سياسية وعسكرية حالت دون فرض تسوية قسرية أو تجميد الصراع بشروط روسية.
يمثل هذا الهجوم المشترك تصعيدًا غير مسبوق في انخراط بيونغ يانغ، التي انتقلت من مرحلة الدعم اللوجستي وتوريد السلاح إلى المشاركة الفعلية في العمليات القتالية.
وتشير التقديرات إلى أن هذا التعاون قد يتوسع في عام 2026، بما يشمل نشر قوات كورية شمالية إضافية على الأراضي الأوكرانية، ما يفتح الباب أمام تدويل أعمق للصراع.
في النصف الثاني من عام 2025، كثّفت روسيا استخدام الطائرات المسيّرة من طراز "شاهد"، مطلقة أكثر من خمسة آلاف طائرة شهريًّا ضد المدن والبنية التحتية الأوكرانية، أي ضعف وتيرة عام 2024.
وتكشف صور الأقمار الصناعية عن توسع كبير في منشأة ألابوغا الصناعية، إلى جانب إنشاء مواقع إنتاج جديدة داخل روسيا.
اعتمدت موسكو نموذجًا حربيًّا قائمًا على الكثافة العددية والتكلفة المنخفضة، مدعومًا بتطويرات تقنية شملت رؤوسًا حرارية ضغطية، وذخائر عنقودية، وحتى صواريخ جو-جو قصيرة المدى.
ورغم بساطة هذه المنظومة نسبيًّا، فإنها مكّنت روسيا من فرض استنزاف طويل الأمد، ووسّعت التهديد ليشمل ما هو أبعد من أوكرانيا.
وقد تجلّى ذلك بوضوح في سبتمبر، عندما اخترقت عشرات الطائرات المسيّرة الروسية المجال الجوي البولندي، في حادثة دفعت الناتو إلى استجابة واسعة شملت مقاتلات إف-35، وبطاريات باتريوت، ومنصات الإنذار المبكر.
لم يكن هذا التوغل عرَضيًّا، بل وفّر لموسكو اختبارًا عمليًّا لقدرات الحلف، وساهم في تسريع النقاش الأوروبي حول إنشاء منظومة دفاع جوي متعددة الطبقات لمواجهة تهديد الطائرات المسيّرة.
ضمن مساعيها لترسيخ التفوق في الحرب غير المأهولة، أنشأت روسيا مركز "روبيكون" لتوحيد الدروس المستفادة من استخدام الطائرات المسيّرة، وتطوير عقيدة عسكرية قابلة للتوسع داخل الجيش الروسي.
ولا يقتصر دور المركز على التدريب، بل يشمل اختبار أنظمة جديدة، وتوظيف الذكاء الاصطناعي، ودمج الطائرات المسيّرة في مختلف أفرع القوات المسلحة.
ومن المرجح أن يتضاعف تأثير روبيكون بحلول عام 2026، بما يشكل تهديدًا مباشرًا للناتو وحلفاء الولايات المتحدة.
في المقابل، لجأت أوكرانيا إلى توسيع رقعة المواجهة. ففي ديسمبر، نفذت كييف أولى ضرباتها ضد ناقلات نفط روسية تابعة لـ"أسطول الظل" في البحر الأبيض المتوسط، مستهدفة عصب العائدات الروسية الذي يدر عشرات المليارات سنويًّا.
وأظهرت العملية، التي استخدمت أنظمة مسيّرة متعددة المراحل، قدرة أوكرانيا على العمل بعيدًا عن مسرحها التقليدي، في رسالة مفادها أن المسافة لم تعد عامل حماية للسفن الروسية.
داخليًّا، حققت كييف تقدمًا مهمًّا في موازنة معادلة التكلفة عبر نشر نظام "ستينغ" المضاد للطائرات المسيّرة، الذي طوّرته مجموعات تطوعية. وقد مكّن هذا النظام أوكرانيا من إسقاط آلاف طائرات "شاهد"، دون استنزاف مخزونها من الصواريخ المتقدمة، ما يعزز دفاعها الجوي متعدد الطبقات.
تشير هذه الاتجاهات مجتمعة إلى أن حرب أوكرانيا تدخل مرحلة أكثر تعقيدًا واتساعًا. فروسيا تعزز شراكاتها العسكرية وتراهن على الاستنزاف طويل الأمد، بينما ترد أوكرانيا بالابتكار، وتوسيع ساحات الاشتباك، وضرب مصادر التمويل الروسية.
وبينما يظل ميزان القوة متقلبًا، فإن عامي 2025 و2026 قد يكونان حاسمين ليس فقط لمستقبل أوكرانيا، بل لأمن أوروبا بأكملها.