بينما يستعد رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي لزيارة الصين نهاية الأسبوع لحضور قمة منظمة شنغهاي للتعاون (SCO)، تزداد التكهنات في واشنطن بأن هذه الخطوة تعكس توتراً متصاعداً بين الهند وإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
لكن القراءة المتأنية تكشف أن ما تفعله نيودلهي أبعد من مجرد رد فعل على ضغوط أمريكية؛ إنه تجسيد لاستراتيجية خارجية أكثر طموحاً وتعقيداً: التعددية في الاصطفاف.
قبل خمسة عشر عاماً، بدأت الهند تقارباً ملحوظاً مع الولايات المتحدة، خاصة بعد الاتفاق النووي المدني عام 2008.
لكن نيودلهي لم تنظر إلى هذا التقارب باعتباره "تحالفاً طبيعياً"، بل كأداة لتوسيع هوامش الحركة وتعدد الخيارات.
تتبنى الهند اليوم، عقيدة "التعددية في التوجهات"، من تعاون استراتيجي مع واشنطن، وشراكة متينة مع موسكو، وتعزيز الروابط مع باريس، وانفتاح حذر على بكين عند الضرورة.
ورغم الشراكات الدفاعية والاقتصادية مع واشنطن، ألقت سياسات ترامب بظلال ثقيلة على العلاقات فقد هدد البيت الأبيض بفرض عقوبات على واردات النفط الروسي إلى الهند، كما أثار غضب نيودلهي ما وصفته بـ"التقارب المريب" بين ترامب وقائد الجيش الباكستاني عاصم منير، خاصة بعد المواجهات الحدودية الأخيرة التي استخدمت فيها إسلام آباد مقاتلات وصواريخ مسيّرة صينية ضد الهند.
رغم توقيع اتفاقية "كومكاسا" الدفاعية مع الولايات المتحدة عام 2018، ظلت النتائج دون المستوى؛ حيث تكشف الأرقام أن روسيا ما زالت المورّد الأول للأسلحة إلى الهند (36%)، تليها فرنسا (33%) ثم إسرائيل (13%)، بينما لم تصل الصادرات الأمريكية إلى طموحاتها.
فرنسا تحديداً تقدم للهند شريكاً أكثر مرونة وأقل إملاءً سياسياً، مع توافق في الرؤية حول "الاستقلالية الاستراتيجية" في ملفات كالمحيطين الهندي والهادئ.
لا تعني زيارة مودي المرتقبة إلى بكين نهاية النزاع الحدودي المتفجر منذ 2020، لكنها تهدف إلى تهدئة التوتر ودفع الملف إلى الخلفية، مع الحفاظ على مصالح التجارة الضخمة مع ثاني أكبر شريك تجاري للهند.
لكن دلهي لا تنظر إلى الصين بوصفها شريكاً موثوقاً، في ظل التعاون العسكري الصيني-الباكستاني المباشر؛ وتوسع النفوذ البحري الصيني في المحيط الهندي من جيبوتي إلى الخليج وجنوب شرق آسيا، ما يثير مخاوف "التطويق" الاستراتيجي.
وترى بعض الأصوات الأمريكية ترى أي حوار بين نيودلهي وبكين "انتصاراً للصين"، لكن محللين هنود يؤكدون أن ما يحدث ليس إلا تعبيراً عن استراتيجية هندية تقوم على الاستقلالية والتوازن، لا الارتهان لأي قوة عظمى.
وأفاد المحللون أن الهند لم تكن يوماً "الحليف الطبيعي" الذي يتصوره صناع القرار في واشنطن، ولن تكون كذلك قريباً.
وأشار المحللون إلى أن مودي يتجه إلى بكين ليس لعناق "التنين"، بل لوضعه في خانة "الشريك الممكن" بدلاً من "الخصم الدائم"؛ فالرهان الهندي اليوم ليس على الانحياز لواشنطن أو بكين، بل على المناورة بين القوتين من موقع قوة، بما يحفظ استقلالية القرار الوطني ويعزز النفوذ الهندي على الساحة الدولية.