شهدت الكاميرون أمس الأحد انتخابات إقليمية جرت في أجواء هادئة ظاهريًا، لكنها ظلت محاطة بتوتر سياسي حاد، بعد أسابيع من إعادة انتخاب الرئيس بول بيا وما رافقها من احتجاجات واسعة قمعتها السلطات بعنف.
ومع انسحاب المعارضة الرئيسية من التصويت، كرّس حزب الرئيس، الحركة الديمقراطية الشعبية الكاميرونية (CPDM)، هيمنته شبه الكاملة على العملية الانتخابية، بحسب مجلة "جون أفريك".
وبدأ أعضاء المجالس البلدية والزعماء التقليديون التصويت في الثامنة صباحًا بالتوقيت المحلي لتجديد المجالس الإقليمية العشرة، عبر اقتراع غير مباشر يشمل نحو 10,000 من كبار الناخبين.
ويُعد أكثر من 9,000 من هؤلاء الناخبين أعضاء في حزب CPDM الحاكم؛ ما عزز المناخ الانتخابي الأحادي الاتجاه وجعل النتائج شبه محسومة سلفًا.
ويُنتظر انتخاب 900 عضو في المجالس الإقليمية، 90 لكل منطقة: 70 مندوبًا حزبيًا و20 ممثلًا عن الزعماء التقليديين؛ لكن غياب الجبهة الوطنية للإنقاذ الكاميرونية (FSNC) عن التصويت أفقد العملية توازنها.
من جانبه، أعلن زعيم المعارضة عيسى تشيروما باكاري، الذي يقول إن حزبه فاز في الانتخابات الرئاسية، أن المشاركة "غير ممكنة في ظل الحداد الوطني والأزمة الأخلاقية والسياسية التي تعيشها البلاد".
احتجاجات بعد الانتخابات
ومنذ إعادة انتخاب بول بيا، البالغ من العمر 92 عامًا والذي يحكم البلاد منذ 1982، تعيش المدن الكاميرونية على وقع توترات كبيرة؛ فقد هزّت الاحتجاجات المناهضة لإعادة انتخابه الشوارع، وقوبلت باستخدام مفرط للقوة من قِبل السلطات.
كما أعلنت المتحدثة باسم باكاري، أليس نكوم، سلسلة احتجاجات جديدة تحت شعار "مدن الأشباح"، تستمر ثلاثة أيام بدءًا من الأحد المقبل، للضغط ضد ما وصفته بـ"تزوير الإرادة الشعبية".
وفي ظل هذه الأجواء المحتقنة، تجري الانتخابات الإقليمية فيما يشبه الفراغ السياسي، مع تساؤلات حول مستوى شرعيتها وتأثيرها في المشهد المحلي.
قوائم انتخابية متعددة
وصادقت هيئة الانتخابات Elecam على 75 قائمة من تسعة أحزاب سياسية، شملت الحركة الديمقراطية الشعبية الكاميرونية، والاتحاد الوطني للديمقراطية والتقدم، وحزب المصالحة الوطنية، والاتحاد الديمقراطي، والجبهة الوطنية للإنقاذ، واتحاد الحركات الاشتراكية، والجبهة الشعبية للتنمية، وكتلة إعادة الإعمار، وحزب Univers.
ورغم تعدد القوائم، ظل الحزب الحاكم هو المسيطر الحقيقي؛ فهو الحزب الوحيد الذي رشّح نفسه في جميع المناطق العشر.
وفي الانتخابات الإقليمية السابقة عام 2020، فاز الحزب الحاكم بتسعة من أصل عشرة مجالس، بينما يُتوقع أن يعيد السيناريو نفسه هذا العام.
كما أعادت الأحزاب ترشيح رؤساء المجالس الإقليمية العشرة الحاليين لولاية ثانية، مع غياب منافسة فعلية.
تتمتع هذه المجالس بصلاحيات في التنمية الاقتصادية وتخطيط استخدام الأراضي والتنسيق بين البلديات، إلا أن محللين يرون أنها تظل جزءًا من هندسة سياسية تضمن استمرار قبضة السلطة المركزية، أكثر من كونها أدوات حقيقية للحكم المحلي.
وتكشف الانتخابات الإقليمية في الكاميرون عن مشهد سياسي أحادي الاتجاه، يعكس طبيعة النظام القائم منذ عقود. فمع سيطرة حزب الرئيس بول بيا على الكتلة الناخبة الأساسية، ومقاطعة المعارضة الفاعلة، واحتجاجات تُقمع بشدة، تبدو العملية الانتخابية أقرب إلى تثبيت النظام القائم منها إلى تجديده.
ورغم تعدد الأحزاب والقوائم، بقيت العملية محكومة بميزان قوة يميل كليًا لصالح الحزب الحاكم، في بلد تتعاظم فيه الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية دون بوادر انفراج قريب.