تعتمد القوة النارية الأمريكية على المعادن النادرة، وهي مواد قوية تسيطر الصين إلى حد كبير على سلاسل توريدها، وهو ما دفع خبراء للتحذير من "ورقة" مؤثرة ستستخدمها بكين حتماً في نزاعها المفتوح مع إدارة دونالد ترامب.
وتهيمن الصين بشكل كبير على سلاسل التوريد العالمية للمعادن الأرضية النادرة، حيث تُسيطر على حوالي 85% من عمليات المعالجة وأكثر من 90% من إنتاج المغناطيس.
كما تستحوذ بكين بشكل خاص على فصل ما يُعرف بالمعادن الأرضية النادرة الثقيلة، وقد استغلت هذا النفوذ ضد البيت الأبيض، إضافة إلى حظرها السابق لتصدير تقنيات استخراج وفصل وإنتاج المغناطيس من هذه المعادن.
وبنظرة فاحصة للترسانة العسكرية الأمريكية، تُصنّع كل طائرة مقاتلة من طراز لوكهيد مارتن إف-35 بأكثر من 920 رطلاً من المعادن الأرضية النادرة، كما رصد ذلك تقرير لمجلة "فورين بوليسي".
ووفقاً لشركة الاستشارات "بينشمارك مينيرال إنتليجنس"، فإن أكثر من 5700 رطل من هذه المعادن تُشكل أساس مدمرات الصواريخ الموجهة الضخمة من فئة أرلي بيرك، وتتطلب كل غواصة من فئة فيرجينيا أكثر من 10000 رطل من هذه المعادن الثمينة.
وتؤكد غريسلين باسكاران، مديرة برنامج أمن المعادن الحيوية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أن تلك المعادن تُستخدم في جميع أشكال تقنيات الدفاع الأمريكي، من السفن الحربية، والطائرات المقاتلة، والصواريخ، وأجهزة الليزر، والدبابات، والأقمار الصناعية، إلى الطائرات دون طيار.
بينما يحذّر آشلي زوموالت فوربس، نائب مدير وزارة الطاقة الأمريكية السابق للبطاريات والمعادن الحيوية في عهد إدارة جو بايدن، من أن مصير القوة النارية الأمريكية بات في يد بكين، ويقول "نحن مضطرون فعلياً إلى طلب الإذن من الصين لبناء أسلحتنا لأنها تسيطر على سلسلة توريد المغناطيس الدائم"، مضيفاً "هذا موقف خطير للغاية".
ومنذ أن شنّ ترامب حربه التجارية في أبريل/نيسان، أمضى مسؤولون من كلا البلدين أشهراً في التفاوض على صادرات بكين من هذه المواد القوية، إلا أن الصين تتمتع بنفوذ كبير.
ومع استمرار المفاوضات التجارية، تُعيق الصين تدفق المعادن الأساسية، بما فيها المعادن الأرضية النادرة، إلى شركات الدفاع الغربية، مما يُسبب تأخيرات ويرفع الأسعار، وفقاً لما ذكرته صحيفة "وول ستريت جورنال" .
على الرغم من اسمها، فإن العناصر الأرضية النادرة ليست كذلك في الواقع، إذ يمكن العثور على مجموعة العناصر السبعة عشر، التي تحمل أسماء غامضة مثل النيوديميوم واللانثانوم، في جميع أنحاء العالم، إلا أن تحديد مواقعها بكميات تجارية معقولة يُعدّ أكثر صعوبة، وفق "فورين بوليسي".
وكانت الولايات المتحدة سابقاً من أكبر منتجي المعادن الأرضية النادرة في العالم، لكن مع بدء المخاوف البيئية والتحديات المالية في التأثير على صناعة التعدين الأمريكية قبل عقود، رأى المشرعون أن هذا القطاع يستحق الاستعانة بمصادر خارجية دولية، حتى إنهم وصلوا إلى حد إغلاق مكتب المناجم في واشنطن، وهو وكالة بحثية رئيسة، عام 1996.
ولا يوجد اليوم في الولايات المتحدة سوى منجم واحد عامل للمعادن الأرضية النادرة، وهو منشأة التعدين والمعالجة التابعة لشركة إم بي ماتيريالز في ماونتن باس بكاليفورنيا.
وفي الوقت الذي انسحبت فيه واشنطن، تدخّلت الصين، فضخّت موارد واستثمارات هائلة في قطاع المعادن النادرة على مدى عقود. والآن، يكمن التحدي الأكبر للمشرعين الأمريكيين، ومعظم دول العالم، في أن سيطرة بكين على سلاسل توريد المعادن النادرة العالمية، صعّبت على أي جهة أخرى دخول هذه الصناعة.
ويرى باسكاران من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أن واشنطن اليوم تواجه بكين التي تنتهج "سياسة تدخلية" في مجال المعادن في الإنتاج والمعالجة، وفي توريدها إلى الصناعات التحويلية".
ويضيف: "لكي تكون الولايات المتحدة قادرة على منافسة الصين، ستحتاج إلى نموذج أكثر تدخلاً. وهذه خطوة كبيرة نحو مواجهة بكين".