رأت مجلة "فورين بوليسي" أن الولايات المتحدة ستفقد اعتماد أوروبا أمنياً عليها، ما سيؤدي إلى خسارة أمريكا لوظائفها وأرباحها الطائلة ونفوذها.
وأضافت المجلة أن الأوروبيين الذين ينتابهم القلق من حرب روسيا في أوكرانيا والاضطرابات عبر الأطلسي، جادون للغاية بشأن الاهتمام بدفاعهم وأمنهم.
واستعرضت "فورين بوليسي" تصريحات لقادة ومفكرين أوروبيين تتحدث عن "أمريكا الرهيبة" و"الوحشية المطلقة" لسلوك إدارة الرئيس دونالد ترامب، فيما يدعو المستشار الألماني المنتخب فريدريش ميرتس، المؤيد الدائم للتوجه الأطلسي الألماني، إلى "استقلال" ألمانيا عن الولايات المتحدة.
كما كانت كايا كالاس، مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، التي كانت سابقاً رئيسة وزراء إستونيا ذات التوجه الأطلسي المتشدد، صرّحت بأن العالم الحر يحتاج إلى "قائد جديد".
وقالت المجلة إن المصاعب الحالية "ليست سوى البداية"، معتبرة أن تخلي البيت الأبيض عن دعم أوكرانيا سيجعل أوروبا أمام الخطر الروسي الذي قد يعتبره ترامب مجرّد "مناوشة حدودية"، كما ينظر الآن إلى الحرب الأوكرانية الروسية.
كما لم تستبعد "فورين بوليسي" أن تُعطّل واشنطن أي أسلحة تستخدم التكنولوجيا الأمريكية المتقدمة، وتقطع الوصول إلى الأقمار الصناعية وغيرها من البنى التحتية الحيوية، وتُغلق مقر حلف الناتو الذي تديره الولايات المتحدة.
ووفق تلك "الافتراضات" أصبح الأطلسيون الأوروبيون السابقون، الذين عملوا لعقود ككابح متشكك وعملي لأي حديث عن جيش أوروبي أو ميزانية دفاع أو مقر عسكري أو جهاز استخبارات، هم مُسرّعو التغيير، بحسب "فورين بوليسي".
واليوم تتقدم المحادثات بشأن اتفاقية دفاع وأمن جديدة بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، والتي ستنهي أزمة استمرت تسع سنوات بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في العلاقات الثنائية، ومن المرجح توقيعها في مايو.
ويحضر وزراء بريطانيا بانتظام قمم الاتحاد الأوروبي، وكذلك وزراء النرويج غير الأعضاء.
والدول الأعضاء الكبرى في الاتحاد الأوروبي، مثل ألمانيا وفرنسا، التي حرصت بشدة على حماية مصالحها الأمنية الوطنية من تدخل بروكسل، أصبحت الآن أكثر استعداداً لرؤية المفوضية الأوروبية، بقيادة وزيرة الدفاع الألمانية السابقة أورسولا فون دير لاين، تتولى زمام المبادرة من خلال الاقتراض المشترك، والوكالات الجديدة، والصلاحيات الجديدة، ونطاق العمل الجديد.
ويتزامن كل هذا، وفق المجلة، مع وقت عصيب لبيع الأسلحة الأمريكية الصنع أو أي نوع من الأنظمة عالية التقنية في أوروبا.
وتلفت إلى أن ترامب فكّر علناً في تقييد ميزات طائرات الجيل السادس الجديدة من مقاتلات إف-47 المباعة للحلفاء، حين قال: "نودّ تخفيفها بنسبة 10% تقريباً، وهو أمر منطقي على الأرجح؛ لأنهم قد لا يصبحون حلفاءنا يوما ما، أليس كذلك؟".
كما تتزايد المخاوف بشأن ما يُسمى بـ"مفتاح الإيقاف" للأسلحة الأمريكية الصنع، والذي من شأنه أن يسمح لواشنطن بتقييد الوصول، على سبيل المثال، إلى أنظمة البرمجيات والبيانات من جانب واحد.
وقد منع هذا الفيتو التكنولوجي الأمريكي أوكرانيا سابقاً من استخدام صواريخ ستورم شادو البريطانية، التي تحتوي على أنظمة توجيه أمريكية الصنع، ضد أهداف داخل روسيا.
وتبعاً لذلك، تدرس البرتغال وكندا إلغاء جزء من صفقة شراء مقاتلات الشبح إف-35 لايتنينج 2 من شركة لوكهيد مارتن، بعد أن امتنع إيلون ماسك عن تقديم خدمة الأقمار الصناعية لأوكرانيا، كما تراجعت إيطاليا عن الاستحواذ على ستارلينك.
فيما يناقش الدنماركيون ما إذا كانت تهديدات ترامب لغرينلاند تعني اختيارهم نظام الدفاع الجوي الفرنسي الإيطالي سامب/تي إن جي بدلًا من صواريخ باتريوت الأمريكية في عقد من المقرر توقيعه لاحقًا هذا العام.
وشنّ مصنعو الأسلحة البريطانيون حملة تسويقية واسعة، مسلطين الضوء على سلاسل توريدهم "المحصنة ضد ترامب"، كما تتقدم الخطط لإنشاء أداة مالية أوروبية رئيسية لتمويل الدفاع.
وتخلُص المجلة إلى أن كل هذا لن يكلف الولايات المتحدة وظائف وأرباحاً وضرائب فحسب، بل سيقوض نفوذها في أوروبا أيضاً.